من حقّ الفلاحين في كامل أنحاء البلاد أن يحتجوا وأن يثوروا تجاه ما آلت إليه الأوضاع في قطاعهم من تدهور. ومن حق المواطن وواجبه أن يساندهم وأن يدعمهم في احتجاجاتهم لأن الأمر يهم أمنه الغذائي. ومن واجب الحكومة أن تستمع إلى مطالبهم وأن تعجّل بإيجاد الحلول لمشاكلهم لأنها المسؤولة عن الأمن الغذائي للشعب. في اليومين الأخيرين تصاعدت حدّة احتجاجات الفلاحين في مختلف أنحاء البلاد بعد أن ظلوا طيلة السنوات الماضية يتألمون في صمت دون أن يحظوا بما حظيت به قطاعات أخرى من الدولة في تحقيق مطالبها. فطيلة السنوات الماضية لم يوقف الفلاحون إنتاج أية مادة. وواصلوا رغم الصعوبات «إطعام» الشعب. ولم يغلقوا الطرقات من أجل ابتزاز الدولة لتحقيق مطالبهم. ولم يمارسوا الاحتكار. ولم يحتجوا أو يعتصموا أمام المقرات السيادية لإحراج الدولة.. وفي الأسابيع الأخيرة تحرك الفلاحون كما لم يتحركوا من قبل. وبان بالكاشف أن أزمتهم تفاقمت نحو الأسوإ. فأسعار أعلاف المواشي والدواجن في تصاعد رهيب. وأسعار البذور والمبيدات واليد العاملة والماء و»الميكنة» لم تعد في المتناول. وزاد الطين بلة الترفيع في أسعار المحروقات. وما تخصصه الدولة لدعم المنتجين مازال دون المأمول في وقت اتجهت فيه عديد دول العالم بما في ذلك المتقدمة إلى دعم الفلاح أكثر من دعم المنتوج.. والأفظع من ذلك بالنسبة الى الفلاح ما يراه بأم عينيه من تدني أسعار منتوجاتهم في أسواق الجملة والحال أن أسعارها تصبح أكثر من الضعف في أسواق التفصيل نتيجة تغوّل المُضاربين والمُحتكرين وأصحاب ال«فريقوات» مقابل صمت مثير من السلطات يدفع إلى التشكيك في أن الأمر يحصل بتواطؤ. كل هذه المشاكل لا تستثني أية منظومة من منظومات القطاع الفلاحي، من تربية المواشي والدواجن إلى إنتاج الحليب إلى الصيد البحري والزراعات الكبرى والأشجار المثمرة والزياتين والخضر وتربية النحل.. وكل هذه المشاكل تحصل رغم ما تزخر به البلاد من أراض خصبة الكثير منها مُهمل بسبب تهاون الحكومات المتعاقبة في الاهتمام بها خاصة الأراضي الدولية غير المستغلة أو الممنوحة لأطراف لا علاقة لها بالفلاحة. ورغم ما تزخر به من قدرات بشرية تنتظر فقط منحها الفرصة للاستثمار. وضع قاتم للفلاحة وللفلاحين يدفع إلى التخوف حول مستقبل أمننا الغذائي وحول ما قد تعانيه الأجيال القادمة في صورة تواصل الأمر على ما هو عليه ما لم تستمع الحكومة ومن ورائها وزارة الفلاحة بشكل جدّي وبعيدا عن الوعود الزائفة إلى مشاغل الفلاحين وإلى مطالبهم وأيضا إلى آراء المختصين. وتعمل على تلبيتها وتقتدي في ذلك بتجارب الدول المقارنة التي تتطور فيها الفلاحة بشكل مُذهل لأنها تعي جيّدا قيمة الأمن الغذائي لشعوبها.