أكد الباحث والمحاضر في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الروسية الدكتور عمرو الديب في حوار مع «الشروق» أن الجيش السوداني الذي انقلب على الرئيس عمر البشير غير قادر على تحقيق مطالب الشعب محذرا من فوضى في السودان .وفيما يلي نص الحوار: تونس «الشروق» بداية هل تعتقد أن الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس عمر البشير يلبي طموحات الشعب السوداني الذي خرج في مظاهرات منذ 4 أشهر ؟ أولا، لماذا نطلق عليه الآن إنقلابا عسكريا؟ هل كانت الاحتجاجات المصرية والتونسية في نهايات 2010 وبدايات 2011، انقلابا عسكريا؟ بالطبع بشكل علمي لا، فإن من وظائف القوات المسلحة لأي دولة حفظ الأمن والاستقرار الداخلي، وعندما يكون هناك خوف يقيني من حدوث فوضى عارمة هنا يظهر دور القوات المسلحة، التي دائما ما تختار التخلص من رأس الدولة. أما مسألة تحقيق طموحات الشعب السوداني، فهي محل شك بالطبع، فلا تستطيع قيادات القوات المسلحة التي تعاملت مع القيادة السودانية لعقود، أن تلبي معظم طلبات الشعب السوداني، وهنا تكون المسؤولية ملقاة على عاتق هذا الشعب لا غيره. المهم هنا فهم حقيقة وجوهر المطالب الشعبية السودانية. هل هذه المطالب متصلة بالديموقراطية فقط؟ أم تتصل بالحياة السياسية والاقتصادية بشكل عام. في حالة المطالبة بالديموقراطية فيمكن تحقيق هذا المطلب اليوم بتنظيم انتخابات، ينجح فيها من ينجح ويسقط فيها من يسقط. لكن المطلب الثاني وهو الأهم، فيكون ساذجا من يعتقد أنه يمكن تحقيقه في الخمس سنوات القادمة. فهذا المطلب يجب أن يكون تحقيقه من خلال تضافر جميع قوى المجتمع السوداني من خلال برنامج طويل الأجل. أما ما دون ذلك فسنكون أمام عملية تغيير النخبة الحاكمة بغيرها، كما يحدث في جميع الثورات الملونة. هل يقبل اذن الشارع السوداني بهذا البديل العسكري الذي حل محل عمر البشير ؟ أعتقد أن الشعب السوداني يعي تجارب الثورات الملونة في المنطقة، ويريد بالطبع أن تكون نتائج حراكه مغايرة لنتائج التجارب الأخرى منذ 2011. ولكن السؤال هنا إلى أي مدى يستطيع الشعب السوداني المكوث في الشوارع؟ هل تعتقد أن الانقلاب العسكري حسم المشهد السياسي في السودان، أم أنه بداية لمرحلة جديدة ربما تدخل البلد في ازمة أكبر؟ باعتقادي الشخصي فإن نتائج الثورات الملونة دائما ما تنتهي بالفوضى، سواء الفوضى الأمنية أو على أقل تقدير الفوضى الاقتصادية، والمجتمعات العربية للأسف معرضة لذلك، ويمكن بشكل غير صعب أن تصل الأمور في السودان للفوضى الأمنية والفوضى الاقتصادية. هل هناك إمكانية لأن يسلم الجيش السلطة لحكومة مدنية؟ القوات المسلحة في الدول العربية وغيرها هي صمام الأمان للاستقرار والأمن، وللأسف القوى المدنية العربية كلها عبارة عن صفر كبير، ولا تملك أي خبرة سياسية وللأسف أخطاؤهم أكثر كثيرا من نجاحاتهم. حتى التيار الإسلامي الذي يتمثل في جماعة الإخوان والسلفيين، أثبتت التجربة أنهم أفشل هذه التيارات بشكل عام، فعندما تكون جماعة منظمة ولها خبرة سياسية وتملك انصارا بالملايين تخسر حب شعوبها في خلال عام واحد فقط على غرار تونس ومصر . إذن هو تيار فاشل سياسيا في المنطقة العربية، بالرغم من نجاحه حتى الآن في تركيا. ومقابل هذا الفشل للقوى المدنية أو حتى الراديكالية في الحياة السياسية العربية بشكل عام سنكون أمام فرضية وجود القوات المسلحة بشكل دائم في المشهد السوداني أو العربي بشكل عام. هل يشهد السودان صدامات بين الجيش والمتظاهرين خاصة بعد فرض اعلان حالة الطوائ لمدة 3 أشهر ومنع التجوال؟ لم لا، يمكن بالطبع حدوث ذلك في حالة إصرار الشعب السوداني على تنحية الجيش من المشهد السياسي وهذا سيجعل الأمور معرضة للسوء في الداخل السوداني. كيف ترى مستقبل الاوضاع في السودان عموما؟ السودان لن يكون إستثناء عن ما حدث في دول شرق أوروبا ودول الشرق الأوسط، سيتم تغيير فقط النخبة الحالية بنخبة أخرى، وسيظل الوضع العام السياسي والإقتصادي السوداني دون تغيير إيجابي ولكن سيكون هناك تغيير سلبي خصوصا على المستوى الإقتصادي، أنا هنا لست متشائما ولكن طبيعة أمور الثورات الملونة تخبرنا بذلك، الثورة الصربية فشلت بما تحمله الكلمة من معنى .وفي أوكرانيا كانت نتيجتها فقدان شبه جزيرة القرم وفقدان شرق أوكرانيا، الثورة الليبية نتيجتها معروفة، الثورة السورية نتيجتها معروفة الثورة اليمنية نتيجتها أيضا معروفة، هنا فقط نقف أمام إستثنائيين لهذه الثورات. اولا مصر بسبب الجيش القوي والثاني تونس بسبب الوعي والثقافة التي يتمتع بها الشعب التونسي بالإضافة أيضا للجيش التونسي. هل تعتقد أن هناك جهات أجنبية أو اقليمية تحرك المشهد السوداني؟ بالطبع هناك بعض الدول التي تقف وراء تلك الاحتجاجات، وهنا نحن لا نخون الشباب المحترم السوداني الذي يقف في الشوارع ولكن هم لا يفهمون أن قيادة السودان العسكرية لا تستطيع أن تتخذ قرار تنحية الرئيس دون أخذ موافقة بعض الدول الكبرى والإقليمية. بالإضافة أن تنحية عمر البشير سيكون له أثر إيجابي واضح على سياسات الدول التي كانت تعاديه. ودعونا ننتظر النتائج الحقيقية والتي ستظهر خلال ثلاثة أعوام على أقصى تقدير لكي نقرر من صنع هذه الاحتجاجات ومن كان يقف وراءها.