بعيدا عمّا ستؤول إليه الأمور في الجزائر والسودان ..بدا واضحا أن الشعوب العربية ليست نائمة كما تخيل حكام عرب بعضهم يحكم بعصا يهش بها شعبه والآخر بعجز وهرم لا يمكنانه ربما حتى من التصويت لنفسه، ظانين بوهم أو ببطانة فاسدة أن الشعب ميت .. فالشعوب العربية التي طالما اتهمت بالخنوع والخضوع، تحرّكت اليوم في الجزائر وفي السودان بعد تونس ومصر وليبيا واليمن، واتجهت إلى الشارع لتقول للحكام استعدنا الحياة وآن الأوان للتخلص من الفطريات والورم الخبيث دون إراقة الدماء ..نريدها عملية جراحية غير مؤلمة ..كفانا وجع عقود تحت حكمكم الجائر. مظلتنا الشارع، فظلاله وافرة وصوته أرفع من صوت الحاكم والبطانة والبوليس والعسكر ..صوت الشارع صداه أقوى من صوت الرصاص الذي يخترق الأجساد العارية .. الشعب الجزائري، لم يتجه إلى الأحزاب والمنظمات، بل اتجه إلى الشارع وكان يظن انه طويلا وعلامات "قف" رفيعة، والمطبات موجعة لظهر الجسم الجزائري، فاكتشف أن قطع "الديمينو" تتهاوى بسرعة ما دام طابور المحكومين طويلا ..و"الديمينو" ليس إلا لعبة تسَاقط مادامت أنامل الشعوب صامدة .. في السودان، تحرّك الشارع ليقول للبشير نبشرك بسقوط سريع، ونبشر بطانتك بسقوط أسرع، ومسرحيات الجيش المقرب منك والذي وضعك في " مكان آمن " لا نأتمنه على تحركاتنا السلمية ..عصاك التي تتكئ عليها وتهش بها شعبك ولك فيها مآرب أخرى، انقسمت بالشارع .. الشارع، وبعد ثورات الياسمين لمن اعتبرها فواحة، وثورات الخارج لمن اعتبرها مؤامرة، كادت أن تنساه الشعوب العربية، لكنه عاد اليوم إلى الواجهة فسيحا ممتدا ليكون مظلة من لا مظلة له ..مظلة الشعوب يوم لا ظل إلا ظل الشارع .. الشارع في منطوقنا اللغوي هو الطريق، وفي معاجم اللغة هو المشرَع أو هو " مَنْ يَضَعُ القَوَانِينَ وَيُشَرِّعُهَا"، وقد أصاب اللغويون قديما حين قالوا الشارع يضع القوانين، فبالشارع وضعت قوانين الإطاحة بقطع الديمينو .. الشارع الجزائري والسوداني ومن قبله التونسي، ولئن أسقط الحكام، امتد لينهل من تجربتنا التي وضعت الجيش في الثكنات، ليطالب اليوم من المدافعين عن الحدود، أن يطلقوا رصاصة الرحمة على أجداث حكام وأعجاز نخل منقعر، لا أن يحموا ويجملوا وجوها قبيحة بمساحيق تتلون لتحمي الحكام والبطانة الفاسدة .. شارع الجزائر والسودان امتد وربما يطول، وتكثر منعرجاته، لكن إرادة الشعب التي لا تقهر قالت غادروا من فضلكم لقد انفلتت الشعوب من عقالها فاحذروها لقد دخلت المنطقة زمن الحرية بصوت الشارع .. صوت الشارع في بلدان الثورات يئن اليوم بعضه من ارتفاع الأسعار وضعف المقدرة الشرائية ..فاحذروا البطون الخاوية فشوارعها قد تكون أقسى عليكم ممن سبقكم ..ألم يقل لقمان لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة " لكنه نسي أن يقول إذا خويت المعدة استفاق الشارع الطويل ؟.