بقلم الدكتور علاء الدين سحنون الكاتب العام لنقابة اطباء القطاع الخاص فرع سوسة شهدت الساحة الطبية بتونس منذ أسبوعين حراكا كبيرًا بعد الفاجعة المؤلمة التي جدت في إحدى مستشفياتنا الجامعية إثر وفاة 15 رضيعا نتيجة إخلالات فادحة وجسيمة في منظومة التعقيم، وغياب آليات الرقابة، وافتقاد مستشفياتنا إلى الحد الأدنى من السلامة والجودة. لقد أفضى هذا الجدل والحراك إلى تنظيم استشارة وطنية أشرف عليها السيد رئيس الحكومة، وكان من المفروض أن يتم ّ فيها استدعاء جميع الأطراف المعنية بموضوع الصحة في تونس، وكانت أهدافها الرئيسية موجّهة أساسًا إلى تشخيص الوضع الحالي، والخروج بحلول آنية ومشاريع عاجلة للإصلاح، ولئن استحسن البعض من مُسدي الخدمات الطبية بداية مبدأ التشارك والتشاور لجسامة المهمة وصعوبة الخروج من الوضعية الحالية، إلا أنّ البعض الآخر شكّك في صدق هذه المبادرة ورأوا فيها محاولة لوأد الاستياء والغضب الشعبي من قطاع ينخره الفساد والرشوة والمحسوبية، قياسًا على ما أتاه الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" إبّان أحداث احتجاجات السترات الصفراء. وفعلاً، كانت النتيجة مُخيِّبة لآمال جزء كبيرٍ من مسدي الخدمات الصحية وممثلي الهيئات والمنظمات الوطنية، فما شهدناه يوم الجمعة، وما بثّ على القناة الوطنية وعلى الموقع الرسمي لرئاسة الحكومة ما هو إلاّ تأكيد لصحة هذه الشكوك الأولية من صدق النوايا الحقيقية لهذه المبادرة، فقد تمّ استدعاء الأصدقاء، إلا الأصدقاء: أصدقاء الحكومة وأصدقاء وزارة الصحة العمومية (وليس وزارة الصحة) وقد تمّ تغييب أطراف فاعلة في المشهد الصحي بتونس، من ذلك مثلاً ممثلي نصف أطباء تونس؛ ونعني بذلك النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص، وكذلك ممثلي المصحات الخاصة، وأيضًا كلّ من هيئة مكافحة الفساد، ودائرة المحاسبات، والجمعيات التي تعنى بإصلاح قطاع الصحة في تونس. في هذه المفارقة التي تطرح العديد من الأسئلة الحارقة، يحقّ لنا التساؤل من منطق الحرص على المنظومة الصحية بتونس: هل أبى رئيس الحكومة الاستماع إلى الرأي المخالف أم أنّ من نظّم اللقاء كان لا يريد أن يستمع الرأي العام ورئيس الحكومة إلى الأسباب الحقيقية لأزمة الصحة في تونس؟ من المستفيد من تغييب هؤلاء؟ إنّ في نجاح المصحات الخاصة في حسن التسيير بتعميم المنظومات الإعلامية لمراقبة المستلزمات الطبية وفي انعدام المحسوبية بحسن التحكم في الموارد البشرية أحرج بعض المتمعشين من القطاع العمومي، ولعلّه في غياب أيّ معايير للجودة في مستشفياتنا مقارنة بما هو موجود في بعض المصحات الخاصة المتحصلة على أعلى علامات الجودة الأوربية "ايزو" سبّب حرجًا حقيقيا لمن يجثم في منصبه الوظيفي منذ سنوات دون تحقيق أيّ إضافة نوعية، أو طرح أيّ مشروع جذري للإصلاح والتغيير. وإضافة لما تقدّم، فإنّ في قصص تألق بعض المنتسبين للقطاع الخاص (أين لا يكون النجاح إلا بالكفاءة والعمل المضني والتكوين المستمر) يمثل بحقٍّ إحراجا لمنظومة المحسوبية، أو الولاء الحزبي والقبلي وعقلية "مسمار في حيط". إلى السيد رئيس الحكومة، إن منعوك من الاستماع إلى آرائنا، ولديك النية الصادقة والحقيقية لإصلاح المنظومة الطبية والصحية بتونس، فإني أدعو سيادتكم إلى قراءة هذه السطور: كل ما نعيشه اليوم في القطاع الصحي بتونس سببه الرئيس التسيب والفساد المستشري في وزارة الصحة، ومن المفيد القيام باستدعاء هيئة مكافحة الفساد وإعطاء الأهمية اللازمة لتقارير دائرة المحاسبات، وتكوين فرقة خاصة من وزارة الداخلية والعدل للتقصي في كل شبهات الفساد دون الرضوخ إلى ضغوطات اللوبيات أو النقابات (أذكركم بما حدث في صفاقس عندما فتح سعيد العايدي ملفات الفساد). وفي هذا الإطار، لعل النقطة المضيئة الوحيدة في ما سمعناه هو مداخلة أستاذنا وزير الدفاع الوطني الذي وضع الإصبع مباشرةً على الداء: الفساد، التسيب والنشاط التكميلي العشوائي، هذا النشاط التكميلي الذي لم يعد يقتصر على الأساتذة الجامعيين فقط، بل تعدّاه ليشمل الممرض والعامل والحارس... فالكل أصبح يطالب بحقه في "الكعكة". وقد أكد الدكتور عبد الكريم الزبيدي في مداخلته أنه بفضل غياب الفساد والتسبب فإنّ المستشفى العسكري يسجل فائضًا يقدر ب14 مليون دينار، رغم أنه يخضع لنفس القوانين الناظمة، ويتمتع بنفس الاعتمادات العمومية كبقية المستشفيات الجامعية. بتواضع شديد، نهيب بكم عدم إضاعة الوقت في البحث عن اعتمادات أخرى لقطاع الصحة، والإسراع بمحاربة الفساد المستشري، والذي ينخر أواصر القطاع الصحي بتونس فكأنما نعزم على ملء إناء قبل إصلاح الثقب... من جانب آخر، فمن نصحك بأن توظف أداء جديدا على التبغ، لم يعلمك بأن 60 % من التبغ المروج في تونس مهرب ولا سلطة لك عليه، وإن رفعت في سعر التبغ فإنك ستساعد المهربين على ترويج بضاعتهم ومضاعفة أرباحهم. فعليك سيدي أن تطلع على التقرير الأممي الصادر في 2014 والذي قدر بأن تونس تخسر سنويا 219 مليون دولار من عوائد جبائية كانت ستدخل للخزينة إن تم القضاء على مافيا التبغ... هل لديك سيدي الشجاعة لشن الحرب فعلياً على الفساد والمفسدين، وان عزمت عليها، فإنا في هذه الحرب يا سيدي ستجدنا لك إن شاء الله من الداعمين.