اشهرا مرت على انعقاد الجلسة التأسيسية للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي يعتبر اعلانا رسميا لمأسسة الحوار الاجتماعي في تونس ليشكل فضاء جديدا للمفاوضات الاجتماعيّة وادارة الخلافات بين الاطراف المتداخلة في هذا الملف الحساس وهي الحكومة والمنظمات النقابية للاعراف والعمال. ويتركب المجلس الوطني للحوار الاجتماعي من 35 عضوا ممثلين للحكومة و35 عضوا ممثلين لمنظمة العمال الأكثر تمثيلا وهي الاتحاد العام التونسي للشغل و30 عضوا ممثلين لمنظمة أصحاب العمل الأكثر تمثيلا في القطاع غير الفلاحي وهي الاتحاد التونسي للصناعة التجارة والصناعات التقليدية و5 أعضاء ممثلين لمنظمة أصحاب العمل الأكثر تمثيلا في القطاع الفلاحي وهي الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري .. بقطع النظر عن جحافل المكونين لهذا المجلس واهمية الادوار التي يلعبونها في توفير السلم الاجتماعي الضروري لتحريك العملية التنموية او في افضل الاحوال توفير الحد الادنى للاستقرار بما لا يضر مصالح المواطنين كالذي حدث اول امس حين استفاق التونسيون في كل الولايات تقريبا على طرق مقطوعة ومدن اوصالها مفككة بعد ان اصر اصحاب سيالارات الاجرة «اللواج» على غلق الطرقات وخلو الشوارع او تكاد من التاكسيات لتصاب البلاد بالشلل التام فقد بان بالكاشف قصور هذا المجلس على حل الازمات التي لا يكااد يخلو منها اسبوع في تونس وهو الموكول اليه ليس فقط حل الازمات بل استباقها. غياب التنسيق من المؤكد ان هذه السنة ستكون صعبة جدا على الاقتصاد التونسي ولن تتحقق البشائر التي وعد بها صندوق النقد الدولي من نسبة نمو تلانمس الثلاثة بالمائة او وعود الحكومة القريبة من توقعات من ذلك الصندوق والواردة في لاقانون المالية لسنة 2019 ا لم تمر ثلاثة اشهر فقط على هذه السنة حتى سقطت الوعود في الماء وتم الترفيع في اسعار المحروقات بلا سبب منطقي لان سعر برميل البترول مازال ون ما بنت عليه الحكومة ميزانيتها لهذه السنة الا انها التجأت للترفيع في اسعار المحروقات التي ستتبعها زيادات اخرى لن تقل عن ثلاثة مرات حسب وزير الصناعة سليم الفرياني هذا الذي اصابنا بالدوار جراء تصريحاته المتضاربة وكانه لا يعي ما يحدث في تونس وهذه الزيادات لجات اليها الحكومة لتغطية نفقات الزيادة في الاجور والتي تزيد عن 800 مليون دينار في السنة والتي لم تكن مبرمجة في ميزانية هذه السنة. طبعا كل هذا لا يهم اصحاب «اللواجات» ولا «التاكسيات» لان حملهم ناء تحت وقع هذه الزيادات المتتالية في المحروقات وهم الذين يعانون من اقساط مرتفعة لشركات الايجار المالي وللبنوك اقتنوا بها سياراتهم مطالبين بعدم التاخر في دفعها شهريا حتى لا يستيقظون صباحا فيجدون سياراتهم «مقيدة» اضافة الى ارتفاع اسعار قطع الغيار ومستلزمات الحياة ومن المؤكد ان مثل هذه الزيادات في المحروقات ستقصم ظهورهم وتجعلهم فقط يشتغلون لدفع الاقساط الشهرية المستوجبة عليهم او اصلاح سياراتهم وهم المطالبون بقطع مئات الكيلومترات يوميا جريا وراء «الخبزة» التي زادت في سرعتها فلم يستطيعوا اللحاق بها رغم ما يبذلونه من جهود مضنية .. وكان من الطبيعي ان تحدث اللخبطة التي وقعت فيها كامل البلاد اول امس لان التنسيق غائب بين اطراف المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي من المفترض حسب النص المؤسس له ان يكون دوره استشاريا وجوبا في مشاريع القوانين ومشاريع الأوامر الحكومية ذات العلاقة بالشغل والعلاقات المهنية والتكوين المهني والحماية الاجتماعية وذلك النص المنظم لعمله والمحدد لدوره استهلك ستة سنوات من الحوار اذ انطلق منذ سنة 2012 الا ان كل ذلك ذهب هباء منثورا جراء غياب التنسيق والحوار. ولادة ناقصة كان بالامكان ان يكون المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وسيلة ناجعة للتهدئة وخيمة يلتجئ اليها الجميع اذا ما داهمهم خطب كالذي حدث اول امس او كالاحداث التي سبقته والتي احتج فيها فلاحون ومهنيون من قطاع الحليب او من قطاعات اخرى وتونس على ابواب شهر رمضان المعظم الذي يبلغ فيه الاستهلاك ذروته لكن المجلس كان في سبات عميق ولم توقظه اصوات المحتجين المجلجلة في كامل انحاء البلاد بسبب صعوبة اوضاعهم .. اذن كان بامكان ذلك المجلس ان يوفر الحل لولا التنافر الغريب بين مكوناته وهو ما جعل منه بكل المقاييس مولودا ناقصا ومشوها ولن يكون قادرا على الافادة لقصور في تركيبته وهو ما تجلى حتى قبل ان ينطلق في عمله من خلال رفض اتحاد الفلاحين لعدد الممثلين له صلبه كما عبرت نقابة الفلاحين عن تنديدها لاستبعادها منه والاغرب من كل ذلك انه تم ايستبعاد كنفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية «كونكت» رغم قيمة اسهاماتها في تنشيط المشهد الاقتصادي وما فتحته مبادراتها المتتالية من افاق رحبة امام المستثمرين التونسيين للوصول الى اسواق جديدة واقامة شراكات مربحة وما استفاد منه الاقتصاد مباشرة من خلال مخرجات لقاءات ومشاريع كونكت وما قدمته من رؤى اصلاحية مهمة نادى بها كل الخبراء واعترف بوجاهتها جميعهم. الدوران في حلقة مفرغة سيبقى الاقتصاد يدور في حلقة مفرغة وسيدفع المواطن فاتورة كل ذلك من ماله ووقته واعصابه فالمجلس المخصص للحوار فقد كل اهمية وافرغ دوره من أي محتوى لان الحكومة اصرت اصرارا غريبا على فرض «الاستبداد» فيه رغم ان هذه الافة انقرضت من تونس لانها أي الحكومة رضخت لطلبات ما يعرف بالمنظمات التاريخية لمختلف الشرائح من عمال واعراف وفلاحين وكان الزمن توقف بالبلاد عند اربعينات القرن الماضي تاريخ تاسيس اغلب تلك المنظمات او كانه لم تحدث في تنس ثورة فتحت ابواب التعديدة السياسية امام الاحزاب حتى تكاثرت لتصل حاليا الى 217 حزبا بالتمام والكمال والعدد سيزداد قبل الانتخابات القادمة مادام كل شخص بامكانه تاسيس حزب حتى وان كان انصاره تسعهم تاكسي فان كان الامر متاحا في السياسة فلم لا تتم تجربته في الاقتصاد ويتم منح الفرصة لكل المنظمات النقابية للاعراف والفلاحين والعمال من عضوية المجلس الوطني للحوار الاجتماعي فالتعددية تسمح بتكاثر الافكار واستخلاص الافضل منها كما ان توسيع مكوناته سيجعل كل القطاعات ممثلة وبالتالي لن يتم الالتجاء الى الاضرابات الا اذا وصل الحوار داخل مجلس الحوار الى نفق مسدود بل ان قدرة هذا المجلس على ادارة الحوار الاجتماعي المتميز بكثرة الغامه وتنافر اطرافه سيصبح ايسر اذا كانت الاطراف ممثلة فيه ومن المؤكد ان هذا المجلس بتركيبته الموسعة قادر على معالجة المحاور التي من اجلها استحدث وهي النمو الاقتصادي والتنمية الجهوية ودعم سياسات التشغيل والتكوين المهني وتنقية العلاقات المهنية والعمل اللائق وتكريس الحماية الاجتماعية. ولن يدخل الاقتصاد في حلقة مفرغة لنظل في نفس المربع الاول أي مربع الازمات والتوتر فحين يحس الجميع ان لهم مؤسسات قادرة على اسماع اصواتهم وطرح مشاكلهم ومناقشتها بعقلانية سيتم تغليب مصلحة البلاد ولن ينفرد احد بتحديدها على هواه حتى وان كانت لاغراض سياسوية لم ترتق حتى الى مرتبة السياسية.