هو أحد فرسان التعليق الرياضي التلفزيوني. على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، كان فيها صوت توفيق العبيدي حاضرا بقوة وبحرفية عالية في أكبر التظاهرات والمواعيد الرياضية الكبرى على الصعيدين الوطني والدولي. توفيق العبيدي صوت له خصوصياته التي ينفرد بها في التعليق وما يؤثث به من برامج رياضية يعطيها من جهده ومهجته الكثير، ودون تشنج او مغالاة ... هادئ الطبع، محب لعمله، منتصر لكل القيم الإنسانية النبيلة في علاقته بمحيطه * كيف تقدم أبرز المحطات التي طبعت مسيرتك؟ -لقد رسمت لنفسي منهاجا في مسيرتي الصحفية، يتمثل في وضع ما اتلقاه من تكوين اكاديمي بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار على ارض الواقع وتحديدا في مجال الصحافة المكتوبة التي بدأت بها مسيرتي، والتي اعتبرها الصحافة الام، والتي بدونها لا يمكن للصحفي الشاب ان يرتقي الى مستويات عالية، لذلك اخترت – وانا طالب- اقتحام الحياة العملية، والكتابة في اجناس صحفية مختلفة كالتحقيقات والريبورتاجات والبحوث والمقال السياسي والافتتاحية والعمود... طبقا للقواعد الصحفية الصحيحة، والتي لم تكن محترمة كثيرا على مستوى التصنيف، فكانت التجربة الأولى بجريدة «بلادي» التي كان على رأسها آنذاك مؤسسها في المهجر عبد الحق شريط، ثم تواصلت بعد ذلك في عدد من الصحف الأخرى ك«البطل» و«الشروق» و«الصباح» و«السور» بعد التخرج، اقتحمت في بداية الثمانينات عالم الصحافة المسموعة والمرئية الذي كان محور اختصاصي الدراسي، مما يسر لي عملية الاندماج في سوق الشغل وتحديدا في الإذاعة والتلفزة التونسية، حيث تخصصت في مجال الاعلام الرياضي الذي كنت اعشقه منذ الصغر بالإضافة الى ولعي بالرياضة حيث مارست الكثير من الأصناف الرياضية في المجالين المدرسي والمدني، ومن ثمة لم اجد بدا من التوجه الى هذا القطاع رغم تخصصي الدراسي في الاعلام الاقتصادي، هذا بالإضافة الى هامش الحرية الذي كان يتميز به المجال الرياضي آنذاك بالمقارنة مع بقية المجالات الأخرى، حيث كنا ننتقد السياسة الرياضية في البلاد خاصة في الصحافة المكتوبة على ضوء الانفتاح السياسي الذي ميز البلاد مع بداية الثمانينات . * التعليق الرياضي كيف تحدد شروطه؟ -التعليق الرياضي له طقوسه وشروطه وضوابطه المعروفة، ولكن مع الأسف هذا الإطار المقنن لا يلقى الاهتمام والعناية اللازمة على مستوى التطبيق في البلاد العربية، المتطفلون يمارسون المهنة بكثير من الارتجال والعشوائية، ومع الوقت أصبحوا من فرسان التعليق في عيون العامة، في حين انهم لم يفلحوا يوما في الركوب على خيل الصحافة بسبب الخضوع لما يطلبه رواد المقاهي من صراخ وعويل وصياح وتشنج مثلما نشاهده في العديد من القنوات التلفزيونية ان التعليق الإذاعي اضحى هو السائد في الاعلام المرئي هذا بالإضافة الى عدم التحلي بالحياد والتحول الى بوق مناصر للأندية الكبرى طمعا في مصالح خاصة، ولاحظ مثلا ان الندوات الصحفية لأي ناد، لا يحضرها الا المنتمون الى ذلك الفريق، فالدعوات توجه في غالب الأحيان الى أسماء معينة ولا الى وسيلة الاعلام التي من المفترض ان تقوم باختيار الاجدر من الصحفيين للقيام بالتغطية الإعلامية. * هل هناك استعدادات خاصة قبل نقل احدى المقابلات الرياضية؟ فعلا شأني شان اللاعب الذي يعد نفسه بدنيا وذهنيا قبل اجراء المباراة, فانا كذلك اعد نفسي قبل القيام بالتعليق على اية مباراة مهما كانت قيمتها واهميتها ومستواها، وذلك بتسجيل كل المعلومات المتعلقة بالفريقين المتقابلين، وتراني اعود الى الأرشيف للاطلاع على السجل التاريخي للقاءات الفريقين وترتيبهما وابرز الهدافين واللاعبين الذين في رصيدهم بطاقات صفراء، والمهددون بالغياب في المقابلة الموالية، والغيابات والتعزيزات قياسا الى مباراتيهما الأخيرتين وغيرها من المعلومات التي يمكن العودة اليها وتقديمها في الوقت المناسب اثناء التعليق لذلك فأنا اتعاطى بنفس الكيفية والنوعية والمحافظة على اسلوبي الخاص دون التأثر بالغير مع الالتزام بضوابط المهنة واخلاقياتها، وبالأخص مسألة الحياد لما يتعلق الامر بالنوادي، ولكن بالنسبة الى مباريات المنتخب، فان مستوى التعامل يكون اقوى لكن دون الوقع في فخ الانحياز المبالغ فيه او مغالطة المشاهدين * ماهي المقابلة الرياضية التي علقت عليها وبقيت راسخة في الذاكرة؟ - تبقى المباراة التي علقت عليها في جانفي 1988 بالرباط بين المنتخبين التونسي والمغربي، في إطار الجولة الأخيرة من التصفيات المؤهلة الى الألعاب الأولمبية بسيول، الأبرز ضمن بقية المباريات التي بقيت راسخة في ذهن الجماهير الرياضية التي مازالت تذكرني بتلك المقابلة حيث تفاعلت بعمق مع أطوارها وغلبتني مشاعري الى حد الاجهاش بالبكاء. * قدمت ونشطت البرامج الرياضية من ذلك «الاحد الرياضي» بدرجة اولى ماذا تقول عن هذه التجربة؟ - من البديهي ان يبقى طموح كل صحفي الوصول الى اعداد وتقديم برنامج ضخم مثل «الاحد الرياضي» الذي يستقطب نسبة كبيرة من المشاهدين، وقد نالني شرف الانتماء الى اسرة هذا البرنامج من خلال المساهمة في اعداده وتقديمه في فترة ما وحري بنا التذكير ان هذا البرنامج قد انطلق منذ بداية السبعينات من خلال الزميل رؤوف بن علي – امد الله في انفاسه - وقد أشرف على اعداده وتقديمه.. وكان البرنامج في تلك الفترة يهتم بمختلف الرياضات التي كانت تحظى بتغطية متميزة خلافا لما هو عليه الان، حيث انه بمبدإ التخصص، أصبح الاهتمام مقتصرا على رياضة وحيدة – وهي رياضة كرة القدم- اسوة ببرنامج « تي اف 1 وتلي فوت» الفرنسيتين. وفي نهاية الامر، تبقى تجربة ثرية تعود بالفائدة على الصحفي من خلال كسبه مزيدا من الخبرة والكثير من العلاقات وسعدت أيضا بإعداد وتقديم لبرامج أخرى مثل «استراحة الرياضيين» و«رياضة وصيف» واعداد البرنامج الحواري «الشوط الثالث» وبرنامج يعنى بالرياضات الفردية «رياضة وأرقام»الى جانب اعداد الملخصات اليومية لأكبر التظاهرات الرياضية التي تجد ببلادنا. *كيف تنظر الى الاعلام الرياضي المرئي اليوم؟ -لا أخفي سرا اذا قلت انه تتاح لنا في بعض الأحيان مشاهدة حصص قيمة يستفيد منها المتلقي بما تتضمنه من أفكار نيرة وسبق صحفي وتحليل فني مقنع وممتع، وأسلوب متحضر في النقاش بالرغم من الاختلاف في الآراء غير ان هذا الامر نادر بكل اسف. ما يطغى على المشهد الرياضي حاليا هو البحث عن الاثارة بدل الانارة والدخول في مهاترات ونقاش دون طائل والاعتماد على ما يعبر عنه اليوم ب» البوز» من اجل رفع نسبة المشاهدة، ثم انه وبحكم ضعف الإمكانيات المادية للقنوات التلفزيونية وبالتحديد الخاصة منها التي ليس بإمكانها اقتناء حقوق البث للأحداث الرياضية ' فانه في اغلب الأحيان تتحول المنابر في تلك القنوات الى منابر سمعية يغلب عليها اللغو الذي لا طائل ولا فائدة منه زد على ذلك ان التقارير التحليلية، ان وجدت فهي تفتقر الى الحرفية لا تتناول الموضوع من جميع جوانبه، كما انه في كثير من الاحيان، وخاصة في البرامج الحوارية يتم تغييب بعض الأطراف المتدخلة مما يتنافى مع العمل الصحفي المحايد، والصحيح، وعلى طرفي نقيض نجد «بلاتوهات» تكيل التهم جزافا لبعض الأشخاص والهياكل الرياضية وأخرى تلعب دور الناطق الرسمي وبالتالي يغيب النقد النزيه والبناء. * هل هناك امر ما ندمت عليه في مسيرتك مع الاعلام الرياضي؟ -لم اندم على شيء قمت به خلال مسيرتي الرياضية، حتى وان اصبت بخيبة امل في بعض الأشخاص الانتهازيين الذين عرفتهم وعملت معهم خلال هذه المسيرة والذين ابتعدوا – غير مأسوف عليهم-بمجرد نهاية العلاقة المهنية التي تربطهم بي، فاني كنت اعمل بالمثل الذي يقول «اعمل الخير في أهلو وغير أهلو حتى تلقى أهلو». احمد الله كثيرا، اليوم ...اشعر براحة البال والرضا عن مسيرتي المهنية وخاصة على رأس مصلحة الرياضة حيث مثلت التلفزة التونسية لسنوات طويلة في المنظمات الإعلامية الدولية وفي المناسبات الرياضية الكبرى كأحسن تمثيل بشهادة الجميع وبفضل شبكة العلاقات التي اكتسبتها خلال تلك المسيرة فقد تمكنت من اقتناء حقوق ابرز الاحداث الرياضية العالمية التي أصبحت اليوم مستعصية بحكم عملية الاحتكار التي تمارسها بعض القنوات الخاصة المشفرة، وبالتالي امكن للمشاهد التونسي خلال مسيرتي متابعة ابطاله في الرياضات الفردية والرياضات الجماعية وبفضل التلفزة التونسية، أمكن لي زيارة العديد من بلدان العالم في القارات الخمس اثناء تغطية التظاهرات الرياضية في مختلف الأصناف.