رَغم أن التَكريمات الرئاسية للجمعيات والمنتخبات المتألقة خارج حدود الجمهورية لا تَخلو من التوظيفات السياسية للرياضة فإن الباجي قائد السبسي لم يُجانب الصّواب عندما قال إن «قَصره» مفتوح لإستقبال كلّ الأبطال والبطلات الذين يُحقّقون مكاسب خَارجية أمّا الألقاب المحلية فإنها عادية و»خَفيفة» في ميزان الإنجازات. ولا جِدال في أن تتويج النجم الساحلي بالكأس العربية وفوزه بالزعامة الإقليمية من الرّباط غَربا إلى مَسقط شَرقا لا يمكن إلا أن نُدرجه ضِمن أروع «الغَزوات» الخارجية وأحسن «الفُتوحات» الكروية التي تستحقّ احتفاءً شعبيا واستقبالا رئاسيا خاصّة أن «لِيتوال» صَنعت الفرح في كَامل ربوع البلاد المُشتعلة غضبا ونِقمة على الأوضاع المِعيشية الصّعبة. إنجاز النّجم أثلج صُدور التونسيين من بنزرت إلى بن قردان وطرد عنّا ولو إلى حين الإحباط والكَساد. ومن المؤكد أن هذا المكسب الكبير هو تأكيد جديد من النجم العتيد على أن تونس ستبقى صَامدة ونَاجحة في كلّ القطاعات حتى وإن كان أهلها يُواجهون هُموما بحجم الجبال ويَمشون إلى الألغام وهي تجربة عاشها فريق جوهرة السّاحل عندما «أغرق» سوسة في الأفراح رغم أحزان الضّربة الإرهابية الجَبانة. «المُستحيل ليس تونسيا» قد يبدو للبعض أن هذا الشعار غَارق في الشَعبوية لكن «النجمة الساحلية» أكدت أن هذا الأمر حقيقة دامغة بما أن الجمعية تغلّبت على الضربات التي تلقّتها في الداخل والخارج وسَافرت بين الأردن والمغرب والسُودان والإمارات لتبلغ «العَين» وتشرب من كأس زايد بما فيها من مجد و»فلوس» قد تذهب بالعُقول في ظل حَالة الإفلاس التي نعيشها في تونس. ما لا يقلّ عن 18 مليارا سيقوم رئيس الإتحاد العربي وهو السعودي تركي آل الشيخ بتنزيلها (على مَضض) في البنوك التونسية بعد أن كان شبه مُتأكد بأن الكأس والمجد والمَال سيكونوا جميعهم في خزينة الهلال الذي أسقطه النجم بالضّربة القاضية ورغم تواطؤ «الفار» و»التَعاطف الخفي» تارة والمفضوح تارة أخرى للحكم الإماراتي مع المُنافس وربّما لو لم يكن الهدف القاتل للمثناني واضحا من أبوظبي إلى الرياض لسُرق حقّ النجم و»عَرق» لاعبيه ومدربيه ومسؤوليه. لقد هزم النجم «الفَار» والتحكيم ومَعهما نُجوم الهلال والشخصيات الرياضية الدّاعمة له في السرّ والعَلن للصّعود على منصة التَتويج. وقد تَضمّن إنجاز «ليتوال» أيضا العديد الدروس والعِبر في مُقدّمتها حسن استثمار الزاد البشري الذي واجه بسببه شرف الدين انتقادات لاذعة من أقرب الناس الذين فَاتهم بأن الكرة هي «فن المُمكن» خاصّة إذا كان بحوزتك خبيرا مثل «لومار» الذي جمع الشبان و»المُخضرمين» والمغضوب عليهم في تشكيلة واحدة (مثل كريدان وكُوناتي والعواضي والحناشي والشيخاوي...). وكانت النتيجة مِثالية بعد الفوز بالزعامة العربية و»مَازال الخِير القُدّام» في ظلّ تواجد الفريق في مُنافسات كأسي تونس و»الكَاف» والبطولة. درس آخر ظهر على هامش تتويج النجم بكأس زايد وهو اللّحمة الكبيرة للعائلة الموسّعة للجمعية التي وجدت خلفها جمهورا عابرا للقارات ورِجالا أوفياء للفريق مثل زبير بية ومعز إدريس وحسين جنيح وعبد المجيد الشتالي الشاهد على «نِضالات» ونجاحات «ليتوال» من «مِحنة» الستينيات إلى يوم الفرحة العربية الكبرى في «العَين» الإماراتية والتي اكتسحتها الجالية التونسية لتكون كالجسد الواحد خلف النجم. وهذه الوِحدة تُعدّ بدورها درسا بليغا في لُحمة التونسيين عندما يجدّ الجِدّ. وبالتوازي مع المجد والمال الذي حقّقه النجم في كأس زايد يزداد هذا المكسب روعة إذا عرفنا أن الجمعية تربّعت على عرش الكرة العربية بفضل جماهيرها ولاعبيها ومدربيها ومسؤوليها و»لا مزية» لأية جهة أخرى بما في ذلك الجامعة التي ليس بوسعها أن تركب هذه المرّة على الحدث وتنسب لنفسها هذا النجاح خاصة أنّ النجم يقف في صف «المُعارضين» للنظام لا «المُناشدين» له طمعا في الإستفادة من «يده الطويلة» في الداخل وحتى في الإتّحاد العربي نفسه. هنيئا للنجم بلقبه العربي وحظّا أوفر لشقيقنا تركي آل الشيخ الذي فقد «حِياده» في «الفينال» مُبديا «ثورته» حينا وفرحته حينا آخر حتى أن تصرفاته في المدرجات جعلتنا نستحضر بعض مسؤولينا المشهورين بصناعة «الشو» مثل السعيداني وشندول. والحقيقة أن الصّورة التي ظهر بها رئيس الإتحاد العربي للعبة تعكس لوحدها «التخلّف» الكبير الذي تُعانيه الكرة العربية التي قد تمتلك المال والملاعب وحتى «الفَار» لكنها لن تدخل مع ذلك «نادي المتحضرين» لأنها تفتقد إلى عنصر لا يُباع ولا يُشترى في الأسواق ألا وهو «العَقلية».