"نحن نرتاد الشواطئ التي تأخذنا اليها الحافلة العمومية سواء كانت وجهتنا شاطئا نظيفا أو ملوّثا. فلا خيار لنا في ذلك. نحن نستسلم لصوت محرك الحافلة الهادر ونستمتع بذلك...ولكن هذا العام ستحرمنا أزمتنا المعيشية من هذه المتعة. نحن أصبحنا غير قادرين على ذلك أيضا. فالحافلة قد لا تتسع لفقرنا وازمتنا والشاطئ لم يعد وجهة لنا". قالت نزيهة كل هذا في ثوان قليلة التقيناها فيها في الشارع...كانت ملامحها تقول كل هذا دفعة واحدة وحده لسانها من يتعثّر. سيدة في عقدها الخامس من العمر تعمل عاملة نظافة في مكان ما في هذه المدينة. ترددت في البداية في الرد عن سؤالنا حول نظافة الشواطئ. ثم ألقت بكلمات خجولة وانصرفت مسرعة كما لو كشفت سرّا كان بمثابة الخنجر الذي يُغرس في قلب كل من ينظر بعين العقل الى ازمتنا الاقتصادية والاجتماعية التي تكاد تُجهز علينا جميعا. كيف وصلنا الى هذه الطريق؟ والى اين تأخذنا؟ لا شيء أجمل من مسؤول صادق يعترف بأخطائه ويحاول الإصلاح حينها سيتقبل الناس أخطاءه وقد يلتفون حوله ويكونون حصنه المنيع. ولكن التشخيص الخاطئ للواقع يجعلنا نرى الأمور من ثقب صغير فيسهل مثلا القول إنّ هذه السيدة هي من ضحايا "الثورة" و"الحرية" ونتجاهل حقيقة أنها ضحيّة التشخيص الخاطئ للواقع الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي غياب البرنامج الذي باستطاعته إعادة الابتسامة الى قلبها وضحية تشكّل دولة موازية وضحية غياب القانون. فالدولة الظالمة هي التي يشعر فيها المواطن بغياب الكرامة وغياب أدنى الحقوق الإنسانية.