تونس «الشروق»: أطلق الكثيرون هذه الأيّام صيحة فزع من تكرار أحداث لها صلة بالعنف السياسي، وهي صيحة فزع حقيقيّة تتطلّب تحرّكا عاجلا لمحاصرة هذه الظاهرة بالنظر لما تمثّله من انعكاس خطير على الوضع العام في البلاد وعلى السلم الأهلي. في ماذا تتمثّل هذه الخطورة؟ وكيف يُمكن التوقي منها؟ العنف السياسي، خطير لأنّه يستبدل لغة الحوار بلغة القوّة، وعندها من يمتلك أكثر قوّة سيكون هو المهيمن بعيدا عن كلّ منطق أو معقوليّة وضربا لموازين القوى الشعبيّة والانتخابيّة، والشعوب التي نهجت نهج العنف السياسي انتهت الى أنظمة استبدادية أو تسلطيّة أو ذهبت الى حروب أهليّة وتقاتل. العنف السياسي، خطير ايضا لأنّه يمنعُ الجدل العقلاني وتبادل الآراء والقبول بالرأي المختلف وهذا ما يُحنّط المشهد السياسي ويؤبّد تدريجيا الرأي الواحد ويحرم المجتمعات من أفكار ومقترحات يُمكن أن تفيد مختلف ضروب التنمية والتطوير، كما أنّه يكون مانعا لصنوف المساءلة والرقابة المجتمعيّة أو من القوى السياسيّة والحزبيّة المعارضة. العنف السياسي، الذي يجري بين أحزاب وبين نُخب سياسيّة، يكون له انعكاس مباشر على قيم التعايش المشترك في ظل الاختلاف والتنوّع وعلى الوحدة المجتمعيّة، حيث عوض ان تقدّم تلك النُخب مثالا إيجابيا يُحتذى به فإنّها تُعطي صورة مشوّهة يعمل أفراد المجتمع من مختلف الفئات والقطاعات على تقليدها والانقياد لها عنوة، وربّما بشكل غير واع، فلا لوم على مجتمع نُخبته تتقاتل وتتبادل العنف أن ينحدر هو ايضا الى فوضى وتحارب على القاعدة المغلوطة في أنّ من يملك عناصر القوّة وآلياتها، من مال وسلطة وجاه وعتاد لوجستي، يُمكنه الهيمنة والسيطرة والتعدي على القانون وحقوق الآخرين دون مراعاة لأي قيود او ضوابط. فالعنف السياسي في بلادنا اليوم، مظهر يُهدّد التجربة التعدّديّة والديمقراطية الناشئة في عمق لأنّه يُغيّب التنافس الانتخابي النزيه والتداول السلمي على السلطة ويفتح الحياة السياسية على آفاق أخرى سلبيَّة بالضرورة ويُراكم الصعوبات أمام حياة اجتماعية واقتصادية هادئة ويضرب قيم الحريّة المسؤولة والدولة المدنيّة الحديثة والعصرية، دولة القانون والحريات وحقوق الانسان. والعنف السياسي اذا ما أصبح محلّ قبولٍ وتبريرٍ وتطبيع من النخبة السياسيّة، دون ادانة صريحة وبلا أيّ حسابات أو اعتبارات، ستحرقُ ناره الجميع دون استثناء، ولنا في تجارب دول عديدة المآلات السيِّئة لاستبدال الحوار والتنافس السياسي بالأدوات العنف والقوّة المادية. من المهم، اليوم أن تعي الأحزاب والنخبة السياسية عموما خطورة هذه الظاهرة وما قد تدفعُ إليه من مساوئ، وأن تكفّ عن منطق التبرير أو محاولات التوظيف لغايات انتخابيّة أو لتصفية حسابات ضيّقة، لأنّه مطب لمزيد استفحال حوادث العنف وامتدادها، فالعنف السياسي أشبه ما يكون بالسرطان الذي إن تمّ التساهل معه وعدم معالجته بصفة جذريّة، بالبتر والقطع مرّة واحدة وبالسرعة المطلوبة، فسيتفشى في كامل الجسد ويقتل كلّ خلايا الحياة فيه.