يمنع قانون الصرف في تونس، المعتمد منذ ما يقارب عن نصف قرن من تحويل العملة الصعبة إلى الخارج من طرف الأشخاص إلا في حالات معيّنة رغم ان عديد خبراء الاقتصاد اكدوا أنّ هذا القانون لا يواكب التطور التكنولوجي في العالم ولا يمّكن التونسيين من القيام بمبادلات تجارية عبر العالم عكس ما هو معمول به بعديد الدول. ولئن يبدو ظاهريا ان البنك المركزي بيده الحل والربط في هذه المسألة الا ان الامر من مشمولات الحكومة لان تغيير القانون يحتاج الى عرضه على مجلس الوزراء ثم على البرلمان للمصادقة عليه ولأننا في تونس مهتمون بالبيض وبالدجاج وبما نملأ به بطوننا فإننا لم نفكر في الطريقة التي تضمن لنا «الشبع» ولم نسع الى تغيير القوانين التي عفا عنها الزمن وقد تحرك البنك المركزي باحتشام في هذه النقطة رغم ان الواقع يدفع نحو جعلها محصورة في مؤسساته فقط وليس في غيرها على الاقل من باب اهل مكة ادرى بشعابها الا ان «مكة»تونس اختلط فيها الحابل بالنابل وصار الجميع يدلون بدلوهم في أي مسالة تهم النظام المصرفي او غيرها من المجالات التي لا ينبغي ان يخوض فيها الا من يفهمها خاصة ان اغلب الصلاحيات في المجال النقدي والمالي مسحوبة من البنك المركزي الذي لم يتبق في يده فعليا الا الترفيع او التخفيض في نسبة الفائدة المديرية حسب نسب التضخم ووضعياتها صعودا او نزولا. تدخلات محتشمة امام وضعية «مكتوف اليدين» التي حشر فيها البنك المركزي لم يتبق امامه الا ان يدعو شفاهيا الى تغيير القوانين او على الاقل تحسينها وهو ما قام به محافظ البنك المركزي مؤخرا حين دعا محافظه مروان العباسي قبل ايام الى تفعيل مشروع القانون المتعلق بتسوية جرائم الصرف للتقليص من تأثيرات الاقتصاد الموازي خاصة ان التقديرات تشير إلى أن حجم المبالغ المالية المتداولة خارج المسالك الرسمية تناهز 4 مليارات دينار .. دعوة العباسي هذه لم تكن الاولى اذ سبقتها في اكتوبر من السنة الفارطة دعوة مماثلة لاعادة النظر في قانون الصرف خلال ندوة التأمت حول وسائل الدفع الالكتروني ورقمنة الخدمات البنكية حتى تستفيد تونس من خدمات الدفع الالكتروني بينها الخدمة الأشهر في العالم «لباي بال»، وذلك من خلال استعمال التكنولوجيات المالية الجديدة بالعالم «فينتاك FINTECH « لأن إدارة البنك الافتراضي «الباي بال» قرّرت عدم توفير خدمة الدفع الالكتروني في تونس، بسبب عدم اتفاقها مع البنك المركزي حول جملة من النقاط وأبرزها رفض البنك تحويل التونسيين لأموالهم بالعملة الصعبة إلى حسابات أخرى بالخارج لان القانون المعتمد في مثل هذه الحالة لا يجيز له مثل هذه الصلاحيات. تقييد للاستثمار وعرقلة للمستثمرين منذ سنوات واهل الذكر من المستثمرين يدعون الى إلى مراجعة قانون الصرف الذي يعود إلى سنة 1976 بما يتناسب مع الأنظمة الاقتصادية والمالية الدولية لان هذا القانون يدفعهم دفعا الى اعتماد اساليب غير قانونية لتحويل الأموال خاصة انهم في تنقلاتهم لاستكشاف اسواق جديدة للتصدير اليها أو لإقامة شراكات او بعث مؤسسات في بلدان تحتاج الى المنتجات التونسية او خبرات بلادنا الاستثمارية لا يجدون المبالغ المالية الكافية لتحقيق الاهداف التي من اجلها تجشموا مشاق السفر والتنقل كما ان بنوكنا العمومية والخاصة في حالة سبات مطلق ولم تسع حتى باحتشام الى الانتصاب في الخارج سواء في البلدان التي بها يد عاملة تونسية باعداد كبيرة او في البلدان التي ترى فيها الشركات التونسية سوقا استثمارية واعدة وهو ما يدفع المستثمرين دفعا الى التفكير في كيفية تحويل الاموال الى الخارج عند سفرهم ربما اكثر من كيفية تركيز مشاريعهم وقد اتفق المستثمرون التونسيون ممن يرغبون في مد استثماراتهم في بلدان اخرى خاصة منها الافريقية على ان ما يعترضهم من مشاكل في مساعيهم «يهد العزائم» فاهم الإشكاليات التي تواجهها الشركات التونسية التي تمتلك فروعا في الخارج سببها عدم مرونة إجراءات الصرف وتحويل عائداتها المالية من العملة الصعبة نظرا لكثرة الإجراءات الإدارية وتعدد التصاريح من جهة، ولمحتوى الاتفاقيات السابقة التي تتناقض اليوم مع الواقع الاقتصادي والاستثماري في تونس وفي العالم من جهة أخرى وهو ما اكدت عليه «كونكت الدولية» مبينة تعرض عديد الشركات التونسية العاملة بالخارج إلى صعوبات جمة تدفع بعضها إلى المخاطرة بتحويل عائداتها المالية بطرق غير مشروعة ما يعرضها إلى تبعات قضائية مرفوضة تمس صورتها في السوق. ولا ننسى في هذا السياق ما حصل لوزير الاستثمار الاسبق فاضل عبد الكافي من متابعة قضائية بسبب «تخلف» قانون الصرف التونسي ولئن براته المحكمة في التعقيب من التهمة الا ان الخوف سيظل يلاحق باقي المستثمرين من أي تبعات قانونية تنتهي بهم نزلاء السجن بعد ان كانوا يحلمون بالتوسع استثماريا ومثل هذه الوضعية ستثبط عزائم المستثمرين وتجعل المؤسسات التونسية حبيسة السوق التونسية التي ضاقت عليهم خاصة ان الحكومة لم تتوان في فتح الباب امام الاجانب للاستثمار في تونس بما يصعب من المنافسة امام التونسيين دون نسيان فتح الحدود امام «تسونامي» المنتجات الموردة حتى الغذائية منها وبعد ان كان المستثمر التونسي سواء في القطاع الفلاحي او في القطاع الصناعي متخوف من اتفاقية ال»اليكا» ها ان الحكومة تفتح الباب على مصراعيه امام المنتجات الامريكية لنستورد منها حتى البيض واللحوم الحمراء وكان دجاجنا اصيب بالعقم او ان قطيعنا اصابه الهزال فلا ينتج ما يكفينا في حين ان العملية لها علاقة بالسياسة اكثر من تعديل السوق فالمرغوب ممن استقدم المنتجات الامريكية تعديل موازين القوى السياسية وليس الاسواق التجارية وهذا امر تشيب لهوله الولدان فهل من اجل كسب سند اجنبي في معركة سياسية داخلية نضع اقتصادنا في مرمى النيران وهل بعد ان منحنا خاماتنا المستقبلية لبنوك لازار وروتشيلد نفتحها في وجه الاكريكان او لم يكفهم نفطنا وغازنا وفسفاطنا وحتى شمسنا وهواؤنا لنمنحهم بطوننا فيتحكمون بما تستهلكه من بيض ولحوم بعد ان جعلنا تربتنا رهينة بذورهم ؟ قانون متخلف من الواجب التساؤل هل ان عقول مشرعينا الاقتصاديين توقفت عند سنة 1976 حتى لا تسعى الى تغيير قانون صدر في تلك السنة ومر عليه الان 43 سنة بالتمام والكمال تغيرت فيها خريطة العالم وابيدت دول وتكونت دول جديدة وكيانات اقتصادية قوية وهل يعلم مسؤولونا ان اوربا لم تكتف بسوق مشتركة وانها تحولت الى اتحاد اندماجي كامل وانها الان تفكر في فضه و»البريكست» اكبر دليل؟ من الثابت ان خبراءنا يعون ان قانون الصرف يمثل نقطة ضعف في الاقتصاد التونسي في زمن صارت فيه حركة رؤوس الاموال تحتاج الى خريطة لل»ملاحة الجوية» لكثرة تحركاتها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وان كل البلدان فاضت بمنتجاتها وشركاتها وتبحث عن مجالات حيوية تضمن لها استدامة تنميتها الا انهم رغم ذلك لم يتحركوا لتغيير قانون حاد عن اهدافه لتيسير المعاملات وصار عقبة امامها بكثرة اجراءاته وفصوله المقيدة التي هي في قطيعة تامة مع روح العصر الذي صار يعتمد على التطور التكنولوجي لاجراء المعاملات بكبسة زر في حين يلهث مستثمرونا وراء «ورقة» من ادارة الى اخرى الى ان تضيع الصفقة او يقيم مشروعهم مستثمر اخر لم تعطله قوانين بلده ولا اداراتها وهو ما دفع المستثمرون التونسيون يلتجئون مضطرين الى ارتكاب مخالفات الصرف علها تنجيهم من طول الإجراءات الإدارية وتعقيدها ليصبح القانون اول الدافعين الى انتهاكه بسبب تكلسه وتخلفه وهذا سيكون له بل وكان له اكبر الضرر على طرق تحويل الاموال بالاعتماد على السوق السوداء وزاد في استفحال ضعف رصيد البلاد من العملة الصعبة كما ان التمسك بذلك القانون يضرب تطلع تونس إلى اكتساح السوق الأفريقية ويجعل من الديبلوماسية الاقتصادية التي تم منحها كتابة دولة مجرد مضيعة للمال وضحك على الدقون لأن تنمية التبادل التجاري التونسي مع بلدان العالم خاصة منها الافريقية التي طغا عليها التركيز مؤخرا لكونها سوقا واعدة تتسابق اعتى الاقتصاديات في العالم على افتكاك مواطئ قدم بها لن يتم مادام قانون الصرف الحالي ساري المفعول ولن نحلم كثيرا بتغييره في اقرب الاجال خاصة اذا علمنا ان أكثر من 92 مشروع قانون معطّل في لجنة المالية بمجلس نواب الشعب.