طرحت عملية قطع البث عن قناة نسمة نقطة استفهام كبيرة حول المستفيد من تلك العملية التي جوبهت باستنكار واسع من مختلف الاطراف السياسية والمدنية. تونس الشروق: لأول مرة في تونس يتم تسخير أعداد مهولة من الامنيين لتنفيذ قرار حجز معدات ضد وسيلة اعلام، صورة جابت العالم عن تونس التي يتصور الخارج أنها تسير بخطى ثابتة في مسار الانتقال الديمقراطي وكان اول ما طرح من تساؤلات من جميع الاطراف دون استثناء لماذا؟ ولمصلحة من؟. الاحزاب تتبرأ بالعودة الى الاتهامات فقد وجهت لاكثر من طرف منها بالأساس الحكومة التي تشرف على الجهاز المنفذ للعملية والهيئة العليا المؤقتة للاتصال السمعي البصري التي اتخذت القرار ولم تعلم به الطرف المعني الا بعد التنفيذ ثم الأطراف السياسية الحاكمة التي لها تأثير كبير على الجهاز التنفيذي في الدولة. وفي هذا السياق فان الأطراف السياسية الحاكمة كانت اول المنددين بالعملية واعتبرتها انحرافا خطيرا عن مسار تكريس وحماية حرية التعبير بل وكانت بياناتها شديدة وفي حجم الحدث ولم تحاول التبرير او الدفاع عن العملية وذهبت كلها الى المطالبة بوقف ما اعتبروه انتهاكا جسيما زادت من قسوته طريقة التنفيذ. وتوالت البيانات الحزبية فصدر بيانان عن شقي حركة نداء تونس وعن حزب المشروع وكذلك والاهم كان بيان حركة النهضة التي كان اغلب الاطراف يتصورون انها الطرف الذي يحمي الهيئة المؤقتة وكان البيان الاشد والاكثر حسما في رفض الغلق مهما كان السبب. وعلى مستوى الجهاز التنفيذي فقد نفت وزارة الداخلية أية علاقة لها بالعملية مؤكدة انها نفذت قرارا صادرا عن الهيئة لكن بقيت رواية الداخلية مشكوكا فيها خاصة وانها سخرت امكانيات مهولة لتنفيذ قرار على مؤسسة وكانت عملية التنفيذ الاولى من نوعها في تونس التي تسخر لها كل تلك الامكانيات. وعلى مستوى الحكومة فقد لاذت بالصمت ولم تعط اي موقف من تلك العملية بالرغم من ان كل أصابع الاتهام وجهت الى رئيسها لكن هل كان هو المستفيد؟ طبعا كان من الغباء بالنسبة للسلطة التنفيذية القيام بتلك الخطوة ولم تعد تفصلها الا ايام قليلة عن مؤتمر حزب الحكومة «تحيا تونس» وكذلك أيام قليلة عن غرة ماي عيد الشغالين وأيام اخرى تفصلنا عن مؤتمر الفدرالية الدولية للصحفيين في تونس. الهايكا تتهرب وبالنسبة لرئاسة الجمهورية فمن المعلوم ان علاقة نبيل القروي بالرئيس جيدة لكن الرئاسة واجهت تلك العملية بالصمت مع استقبال لممثل المساهمين في الشركة في حين ان رئيس الجمهورية كان يمكن ان يتحرك بشكل أدق وأسرع فهو الحامي للحريات في البلاد طبقا للدستور. وفي الاخير هناك هيئة الاتصال السمعي البصري التي اتخذت القرار ولم يعد في عمرها سوى بضعة أيام تنتهي بحلول يوم الغد الجمعة وهو ما جعل الكثيرين يذهبون الى انها ارادت تقديم هدية سياسية من اجل التمديد لها مرة اخرى خارج الاطر القانونية طالما ان البرلمان والحكومة فشلا في تمرير قانون الهيئة الدستورية ولن يكون امامهما من خيار الا التمديد خاصة مع وجود تلك «الهدية». بالنسبة للمستفيد من تلك الأزمة نجد أولا قطاع الإعلام السمعي البصري الذي عاش احدى اخطر الوضعيات في تاريخه وهي اقدام الهيئة - التي من المفترض ان تنهض بالاعلام -على اغلاق مؤسسة تشغل المئات من العاملين والصحفيين وتبين انه حان الوقت للمطالبة بتكوين الهيئة الدستورية مع اخذ الاحتياطات الكاملة في القانون بعدم منحها كامل الصلاحيات حتى تتحول الى خصم وحكم وجلاد في نفس الوقت. المستفيد الثاني اذا ما نجح في مسعاه هو هيئة الاتصال السمعي البصري الحالية اذا ما توفقت في اقناع الجميع بضرورة التمديد لها مرة أخرى دون أي حق قانوني وبالتالي ستتواصل الامتيازات ويتواصل العبث بالإعلام السمعي البصري خاصة في مرحلة انتخابية ولعل اكبر دليل على ذلك هو تهرب رئيس الهيئة وعدد من اعضائها عن اجتماعاتهم بداية الاسبوع الحالي مع ممثلي نسمة من اجل اطالة ازمتها لاكثر وقت ممكن. واخيرا كان المستفيد هو القناة في حد ذاتها حيث كسبت كما هائلا من التعاطف من قبل المواطنين وتبين ان لها وزنا كبيرا في المجتمع التونسي وكذلك قناة الزيتونة المعني الثاني بقرارات الغلق الصادرة عن الهايكا حيث انها لن تشهد نفس السيناريو الذي حصل مع قناة نسمة وستتفادى تعطيلات كبيرة تعيشها شقيقتها الان.