أكّد الخبير ورجل الاقتصاد عبد الجليل البدوي أنّ اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي المعروضة حاليا للتفاوض، هي مشروع مجتمعي سيعود بانعكاسات على كل مظاهر الحياة في تونس. تونس الشروق: واستغرب البدوي في مداخلة له أمس خلال يوم دراسي في مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والاجتماعية من أنَه -رغم تلك الأهمية- لم يتم تناول الاتفاقية بالشكل اللازم. بل هي ربّما محل تعتيم إعلامي، ملاحظا أنّ الاتفاقية ليست الأوّل من نوعها. فالاتحاد الأوروبي عند كل خطوة لتوسيع الاتحاد الأوروبي يُبادر بمشاريع تتوافق مع مصالحه الجديدة ومصالح الأطراف الملتحقة به حديثا. ولكن هذا المشروع لم يأت بعد توسّع ولكنّه جاء في ظل تزايد منافسة من أطراف عديدة لأوروبا و الصين التي لها مشروع كبير (طريق الحرير) يخترق البحر الأبيض المتوسط. ويمس مصالح استراتيجية للاتحاد الأوروبي في المنطقة وتموقعها في الاقتصاد العالمي. لذا فإنّ اتفاقية الآليكا هي مشروع يهم كل دول جنوب البحر المتوسط. وهي بمثابة وصفة جاهزة. وهذا ما يجعلها عرضة لقراءة نقدية. واعتبر المتحدث أنّ الاتفاقية هي نوع من الامتداد والتواصل لاتفاقية 1995 القائمة على منطق التحرير. فبعد الاقتصار على الجانب الصناعي سيشمل المشروع الجديد جميع المجالات من فلاحة وطاقة وتشريعات وغيرها. فهو ليس فقط مشروع تبادل تجاري، وأبرز أنّ الإشكال في أنّ الاتفاق ليس مع أي طرف بل مع أهم شريك اقتصادي لتونس (أكثر من 70 % من صادرتنا- 50 % من الواردات من أوروبا- 90 % من الاستثمارات في تونس من أوروبا - 80 % من السياح الوافدين لتونس من أوروبا). تفاوض دون تقييم ونبّه المحاضر الى أنّ التفاوض الحالي يدور دون تحديد حصيلة التجارب السابقة في التحرير وبعث منطقة تبادل حر. حيث لم يتم تقييم اتفاقية سنة 1995. وأضاف البدوي أنّ الطرف المقابل أي الاتحاد الأوروبي عرض المشروع الجديد مرفوقا بدراسة الانعكاسات المرتقبة على تونس. وهذا في تقديره غير مقبول ولا معقول. إذ يجب تغيير الفرضيات انطلاقا من واقعنا المحلي والنتائج المرتقبة. وحتى إن حدث هذا - مثلما تقول الجهات المفاوضة- فقد حدث تحت إشراف مكتب نيولبرالي توجهه معروف. غياب الأهداف الوطنية وذهب البدوي الى التأكيد على أنّه ليس هدفا لاي حكومة أن تنجز اتفاقيات. بل الأصل أن يتم تحديد الأهداف الوطنية الاستراتيجية لإخضاع الاتفاقيات إليها، ملاحظا وجود لخبطة في المرجعيات في ما يخص الأهداف. فعمليا في النقاشات تتجه الجهة الحكومية الى رد الفعل، في حين لا بد من التفاوض على ثلاث مسائل. وهي مدة المرحلة الانتقالية. وهل هي نفسها لكل القطاعات، مضيفا في هذا الصدد:»يقولون إن الاتحاد الأوروبي قدّم خدمة لتونس، تتمثل في التأهيل، تأهيل المؤسسة والرأس المال البشري والبنية التحتية. ولكن كانت هناك نتائج سلبية لبرنامج التأهيل الصناعي. و المسألة الثانية هي التعويض. فتفكيك شبكة الحماية الديوانية سيؤدي إلى تراجع مداخيل الجباية الديوانية. والجانب الأوروبي يقترح دعم ميزانية الدولة لتعويض ذلك التراجع. ولكن التعويض سيبقى سيفا مسلطا لأن التعويضات مشروطة بدرجة التقدّم في الإصلاحات المطلوبة. أما المسألة الاخرى فهي غياب الشروط الأولية للتفاوض التي تمنح امكانية رصد المخاطر المرتقبة، يقول المحاضر:» قانون اللعبة في الاقتصاد العالمي تغيّر. ونحن نقوم بالتفاوض حسبها. فالعلاقات الدولية منذ إنشاء منظمة التجارة الدولية قائمة على التعامل بالمثل. قديما كانت هناك اتفاقيات تفاضلية، والتعامل بالمثل غير منطقي بين قوى مختلة. كما أنّ التحرير مطلوب في كل شيء، السلع ورؤوس الأموال، إلا في تنقل البشر واليد العاملة». ولاحظ البدوي أنّ ذلك الوضع أنتج منافسة بين دول جنوب المتوسط لاستقطاب رؤوس الأموال. وهذا ما أسقط قاعدة التضامن. فضاعف من الصعوبات والتحديات. واستغرب البدوي من أنّه على الرغم من عدم التوازن بين الأطراف المتفاوضة الا أنّ هناك حرصا مبالغا فيه من المفاوض التونسي وغياب تقنيات التفاوض. الحذر واجب في التفاوض وانتهى البدوي الى تعداد تجارب حذرة من هذه الاتفاقية. فمع كندا دامت المفاوضات خمس سنوات ومع اليابان ثماني سنوات ومع دول أمريكاالجنوبية متواصلة منذ عشرين سنة. وما زالت لم تصل إلى اتفاق. ومع أمريكا وقع وقف التفاوض. أمّا مصر والأردن فقد رفضتا التفاوض مرّة واحدة. واشتمل اليوم الدراسي على مداخلات أخرى لعدد من الجامعيين والخبراء فأوضحوا المخاطر الكبرى لهذه الاتفاقية على الاقتصاد التونسي وخاصة قطاعات الفلاحة والصحة والخدمات والسياحة. وعدّد الجامعي سامي العوادي مجموع تلك المخاطر في ظل غياب استراتيجية تفاوض واضحة وغياب المعطيات، مضيفا:» هناك كلفة لهذا المشروع لم يتم تحديدها والوقوف عندها. وهناك أيضا منزع لتقزيم دور الدولة التعديلي».