يقول المثل التونسي فلان حضّر «الحُصُرْ قَبَلْ الجامع «ويضرب هذا المثل عندما لا يفكّر الشخص في الأساسي الذي بدونه لا يمكن تحقيق الهدف الذي يرمي إليه ويبدأ في إعداد المكمّلات للأساسي الذي لم يتحقّق بعد .هذا المثل ينطبق اليوم على كلّ الأحزاب والحركات السياسيّة التي هي بصدد إعداد برامجها الانتخابيّة نجد أنّ الكثير من الأحزاب إذا لم أقل أغلبيتها التي ليس لها من مقوّمات الحزب السياسي إلّا الاسم ويكاد حضورها في الساحة السياسيّة لا يذكر ومع هذا هي اليوم منهمكة مع بعض الخبراء وما أكثرهم اليوم لوضع برنامجها الانتخابي وتدفع مقابل ذلك ما تقدر عليه من مال «كلّ قدير وقدرو» لتضع برنامجا هو عبارة عن «أخذ من «كلّ شيء شويّة»لإرضاء كلّ الرغبات فهو عبارة عن قليل من التفتّح في الاقتصاد بدون إغفال التأكيد على إجراءات خاصة بالطبقات الضعيفة أو تأكيد على النظام الاجتماعي لصالح الطبقات الفقيرة بدون نسيان تشجيع المستثمرين إلى غير من «السيناروهات» التي تجود بها آراء وأفكار الخبراء مع تجميلها وإخراجها في الثوب السياسي الذي يمليه عليهم القائمون على الحزب فالأمر شبيه بمن يريد أن يبني منزل فيقدّم للمهندس المعماري رغباته ورغبات زوجته وأولاده ويترك المهندس يضع الإطار الضروري لبناء المسكن فهل بهذه الخطوة نقول أنّ هذا المواطن قد بني مسكنا؟أو هل هو قد قام بخطوات متقدّمة لبناء هذا المسكن؟في الحقيقة أنّ هذا المواطن قد خطى خطوة أولى بسيطة لا يمكن أن نقول معها أنّه خطى خطوات هامة أو متقدّمة لبناء هذا المسكن ومعنى هذا أنّ كلّ مواطن قادر على وضع رسم هندسي لبناء مسكن لكن توفير الأرض والمال هو الأساس لتحقيق هذا البناء . هذا ما تقوم به الأحزاب اليوم فعوضا أن تنزل للساحة وتتصل بالمواطن لإقناعه بأنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعيّة يدعو للتغيّر وأنّ هذا التغيّر مرتبط بانخراط المواطن في الحياة السياسيّة والإقبال على الانتخابات إذ تغيّر الأوضاع لا ينزل من السماء بل هو بيد المواطن عندما يقوم بواجبه الانتخابي لكن عوضا عن هذا العمل الميداني الأساسي لجلب الناخبين نقوم بإغراق المواطن ببرامج غالبا ما لا يفهمها وهنا سيجد المواطن نفسه أمام برامج انتخابيّة متعدّدة ومتنوّعة قد تفننّت أحزاب في تنميقها وتزويقها حتى تُسِيل لعاب المواطن بدون أن تفكّر هذه الأحزاب كيف سيُنْجز هذا البرامج التي أعِدّ على أساس» بَرَّا بَرْكَ بعد الانتخابات فيها دَبَّار مَنْ يَدَبِّرْ»هات نكسب الأصوات وبعدها يخلصها «ألّي ما ينام الليل» ويكون بذلك المواطن قد تعرّض لأبشع استغلال ويذهب صوته في المهبّ الريح ويندم على ما فعله بعد فوات الأوان والأمثلة على هذا كثيرة وسأقف عند آخرها وهو برنامج نداء تونس الانتخابي الذي كان جامعا شاملا تقرأه فتنتشي كمواطن وتعتبر هذا البرنامج هو الذي سيقلع بتونس ويصلح الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة فهل تحقّق على أرض الواقع على الأقلّ واحد في المائة من هذا البرنامج أم أنّ الأوضاع قد ازدادا تعكّرا وسوء وصارت تونس على حافة الإفلاس المالي والتدهور الاقتصادي وتعكّر الوضع الاجتماعي؟ وبقطع النظر عن المجلّة الانتخابيّة التي لا تعطي الأغلبيّة لأي حزب لتنفيذ برنامجه وكذلك النظام السياسي التي لا تستقرّ معه سلطة الدولة فإنّ السبب الحقيقي في نظري هو أنّ الناخب التونسي عند القيام بعمليّة الانتخاب اغترّ بالبرامج المقدّمة بدون أن يحكّم عقله وينظر لأمور أخرى أساسيّة لا بدّ أن تُعتمد في العمليّة الانتخابيّة وإلّا يكون كمن أحضر الحُصر قبل الجامع فما هي الأمور الأخرى التي تعتبر أساسيّة في العمليّة الانتخابيّة؟ هنا نصل لبيت القصيد فعلى المواطن أن ينظر للأشخاص القائمين على الحزب المقدّم للقائمة الانتخابيّة ومدى قدرتهم على تفيد ما قدّموه من برامج ؟ثانيا إذا تبيّن له أنّ هذا الحزب له مصداقيّة ويتميّز أعضاءه بالاعتدال والنزاهة. فهل هذا كاف لمنحه الثقة ؟كلّا هذا لا يكفي لترجيح قائمته إذ لابدّ من أن تتضمّن القائمة المقدّمة أشخاص يحسنون الاستماع للمقترحات وقادرون على ترجيح أصلحها للوطن والمواطن مع الخبرة والانضباط والوطنيّة والغيرة على مصالح الوطن والقدرة على تنفيذ ما اتّفق عليه كما يجب أن لا يكون متقلّب المجاز ينجذب لكلّ ما هو برّاق ولو كان زائفا فيقع لقمة صائغة في أفواه «اللوبيات» المتصيّدة لأصحاب القرار لقضاء مآربها أو من الذين تغريهم المناصب فيَمْتَهِنون السياحة البرلمانيّة للتقّرب من أصحاب النفوذ في الحكومة.ولِمَنْ يرى أنّ تَحْقيق هذه الشروط صعب أجيبه هذا ممكن إذْ الأشخاص المكوّنون للقائمة الانتخابيّة هم أبناء جهته ويمكنه معرف كلّ شيء عنهم ولو عن طريق أخد رأي الثقاة من الأهالي في المرشّحين ولا خاب من استشار. الخلاصة إنّ الاعتماد على البرامج للقيام بالعمليّة الانتخابيّة هو أمر يتطلّب ناخبين واعين ولهم الحدّ الأدنى من المستوى الاجتماعي والتعليمي والتجربة الديمقراطيّة وهذا غير متوفّر في أغلب الناخبين في تونس فكثيرا ما ينساق الناخب التونسي وراء مصالح آنيّة أو فائدة ماليّة أو وُعُود زائفة أو -هو الأخطر- وراء دعاية دينيّة ثّمّ إنّ النظام الانتخابي الحالي في تونس لا يمكّن أي حزب من تنفيذ برامجه مهما كان انتشاره فهو أحبّ أو كره سيضطرّ في نهاية المطاف لتعديل برنامجه الانتخابي هذا إن لم يتخلّى عنه ويعتبر أنّ هذا البرنامج انتهت صلوحيته فقد قام بدوره وهو كسب ثقة المواطن وأنّ الوضع الجديد يقتضى مواقف أخرى ليستطيع أن يتوافق مع غيره حتّى تتاح له أدنى الظروف الملائمة للحكم الذي هو الأساس لكلّ الأحزاب السياسيّة. فعلاقة البرامج بعمليّة الانتخابيّة هو تقليد أعمى للدول المتقدّمة في المجال الديمقراطي أين يتمتّع المواطن بالقدر الكافي من الوعي والثقافة الديمقراطيّة والتي اكتسبها بالتراكم وصار قادرا على التمييز بين البرامج واختيار ما هو أنسب لمصلحته ومصلحة وطنه ثمّ إنّ هذه الدول لها من الآليات التي تمكّن من محاسبة من يغرّر بالمواطن ويذهب ضدّ إرادته التي عبّر عنها في العمليّة الانتخابيّة .أمّا الأحزاب في تونس فإنّ أغلبها لها من المال الذي لا نعلم مصدره والذي يمكّنها من وضع أحسن البرامج بدون أي ضمان لتنفيذها فما هي النصيحة التي نتقدّم بها للناخب اليوم ؟ ما يمكن أن ننصح به المواطن هو أن ينظر لمكوّنات البشريّة للقائمات المقدّمة من الأحزاب التي يجب أن نتحرّ من مدى وطنية وجدّية أعضائها وقربهم من المواطن وإن كان لا بدّ من الاستئناس ببرنامج انتخابي فإنّ على المواطن ان يجعل من بين مرجّحات خياره الانتخابي مدى قرب هذه البرامج المقدّمة له من البرنامج الذي وعد به الإتّحاد العام التونسي للشغل والذي من المحقّق أن يكون برنامجا يتماشى مع وضع تونس الحالي وسوف يأتي بالحلول لهذه المشاغل لأنّ الإتّحاد جُرِّب في هذا الميدان فصحّ ومن المتوقّع أن يحقّق التوافق الاقتصادي والاجتماعي الضروري لعمليّة الإصلاح الذي وضّح معالمه السيّد «النابلي» في كتابه الجديد الذي عنوانه «سأظلّ ِأؤمن دائما» الذي يمكن تلخيصه في «إمكان تونس تحقيق معجزة جديدة وتجاوز الأزمة الإقتصاديّة.»وهو جوهر المشكل الذي يتخبّط فيه القائمون على الشأن العام ومن ورائهم المواطن التونسي.وهذا الدور التوعوي الإنتخابي الضروري للمواطن هو موكول لتنظيمات المجتمع المدني الذي ندعوها للتقليل من الندوات والحوارات النظريّة في النزل الفاخرة والنزول للميدان للأخذ بيد المواطن حتّى لا تبتلعه الدعاية الزائفة التي تروّجها الأحزاب الذي لها القدرة على ذلك كأحزاب السلطة والأحزاب المتستّرة بالدين والأحزاب التي لها كثير من المال المُسْتَراب. فالحُصُرْ إذا هي البرامج الانتخابيّة التي هي كلام بكلام وطَبَق مناسباتي يُغْري المواطن ولكن لا يسمن ولا يغني من جوع أمّا الجامع الذي يجب أن نبنّه قبل جلب الحصر هم الأشخاص من نساء ورجال الذين يتقدّمون في القائمات لنيل ثقة للناخبين.فهم الضامن الحقيقي لكي لا يقع التلاعب بصوت المواطن. وفي هذا الظرف الذي لا نسمع فيه من القائمين على الأحزاب إلّا التباهي ببرامجهم الانتخابيّ التي تتجاوز المئات من الصفحات والتي جمعتْ حولها ما لا يُعدّ من الخبراء في كلّ الميادين نقول هل هذا يفيد المواطن في شيء إذا كانت الأوضاع لا تسمح بتطبيق هذه البرامج إلّا بالتوافق مع الغير أي بتغيّرها وهو أضعف الإيمان وخاصة إذا كان المُنْتَخَبُ لا يفي بوعوده كأن يحترف السياحة البرلمانيةّ بمقابل مادي أو بإغراءات أخرى . لقد لُدِغ المواطن من جُحْر الانتخابات التشريعيّة مرّتين الأولى باسم الدين وبعامل المال الفاسد والثانيّة اعتمادا على برامح كانت حبرا على ورق وهو إلى اليوم لو يشفى من هذه اللَدَغات فهل سيثوب ويرجع له رشده ويعمل رأيه في ما تُقدّم له الأحزاب من أشخاص؟ أم هو سيتمادى في غَيِّه وغبائه فيصدّق البرامج والوعود والشَعْوذة ويعمل بقاعدة «شَنْقة مع الجماعة خَلاَعَةْ « أو «الله لا يقطعْ عنَّا عادة».