كنت لا أصدق إطلاقا من يحدثني عن «مسكن مسكون» أي تحت سيطرة الجن. ولكن بدأت أقتنع بعدما اكتشفت أن جيوب الناس فعلا أصبحت مسكونة ناهيك أن من يضع في جيبه ورقة عشرة دنانير يجدها عند الحاجة قد تحولت إلى مائتي مليم «بياسة». لذلك نرى الناس أمام الباعة وكأنهم فعلا مجنونون يبحثون ويبحثون ويبحثون عما في جيوبهم من مال فلا يجدون منه إلا ما قل حجمه ولا قيمة له عند الجن فتركه لهم. ما أعرفه عند العرّافات والعرافين والشوّافات والشوّافين والدقازات والدقازين أن لكل جن اسمه وما يرضيه لمرضاته على من تمكن به. لست في حاجة الى أي من هؤلاء لأعرف اسم الجن الساكن في الجيوب وما الذي يرضيه من أصحابها. لا أتخيل لهذا الجن اسما غير شاه بندر سعرور (من السعر) ولا مرضاة له سوى التبخير له بورق العملة وتحويل قطعها النقدية إلى شقشقات في كل «طار بوفلس» تعزيزا لفلسة حتى يزيد شقشقة لحشرجة البنادير عند قرعها في حضرة الديمقراطية ونوبة الحرية وخرجة الكرامة في زردة الأولياء الصالحين الجدد الذين صدقنا وآمنا واقتنعنا بأن تونس مريضة «من تحت يديهم». لذلك لا يهدأ لهم بندير عن الدُّم والتَّاك ولا طار عن «الشرق والطق طق» ولا قصبة عن النواح على ما بنا من شغل وحرية وكرامة «هاذيكا» ولا ساحة عن الشطيح والرديح والدروشة أملا في تهدئة الجن سعرور ومرضاته. وفي مفعول «حرز» الدستور الذي علقوه في رقبة البلد للبركة في انتظار أن يبلله بالدموع ويشرب عصير خبره على الخواء أي يوم لا خبز فيه ولا ماء ولا دواء في تونس المسكونة التي باتت لا عيش فيها إلا لمن «شيطانو في جيبو» وبين يديه مسبحة.