كان المهرجان مظهرا من مظاهر الصراع العنيف واللاّ مبرر ضد القوى الوطنية والقومية الأخرى. وكان من الطبيعي – وذلك كان هدفه – أن تحدث صدامات بين الشيوعيين والقوى القومية ذات الثقل في المدينة. واجتمع ضباط الجيش بعدها. وقرروا تكليف آمر اللواء الخامس العقيد الركن عبد الوهاب الشواف بالسفر إلى بغداد ومقابلة عبد الكريم قاسم لإعطائه صورة عن الوضع في المدينة، حتى يسارع إلى إخماد الفتنة قبل أن تستيقظ غير أن قاسم كان في واد آخر وكان يسعده أن تستفيد القوى الوطنية نفسها من الصراع ضد بعضها البعض حتى يزداد استقراره – كما يتوهم – في حكمه. فلم يفعل شيئا ولم يقدم حلا للموقف المتوتر سوى بضع كلمات لا تطيب الجراح والموقف يزداد توترا. ومرة أخرى يذهب الشواف إلى بغداد ليلتقي بقاسم، ولكنه يعود كما عاد في المرة الأولى صفر اليدين من أي قرار يعيد الوضع إلى نصابه، وان كانت حقيبته قد احتوت صورة (الزعيم الأوحد) كتب عليها (إلى أخي النبيل عبد الوهاب الشواف)... بينما الموصل تغلي وبغداد نفسها تزلزل فيها الأرض زلزالها. وزراء يستقيلون، وضباط كبار يحالون على التقاعد، (المقاومة الشعبية) تسلط سيوفها على رقاب الناس.و العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس قضاة محكمة الشعب يحول القاعة إلى صالة مسرحية تؤدي فيها كل ليلة مسرحية الصراع ضد القوميين في العراق وضد دولة الوحدة في الجمهورية العربية المتحدة. ويذهب الشواف مرة ثالثة إلى بغداد ويلتقي بقاسم أيضا فإذا بقاسم يتجاهل كل دواعي الموقف المتوتر الذي جاء إليه من أجله ويقول له هامسا إنه سيفشي إليه بسر لم يقله لأحد من قبله ويدس في جيب الشواف (ميدالية) كتب عليها (عائدون) إلى أين؟ إلى فلسطين بالطبع، ولكن متى يا سيادة الزعيم؟متى ستكون العودة إلى فلسطين؟ قال قاسم سأعلن ذلك في الوقت المناسب. كان هذا المشهد العبثي دليلا في حد ذاته على أن سفينة البلاد صارت هي نفسها دون ربان وأن العراق يندفع – أو تدفعه قوى خفية – نحو المجهول. وفي شوارع الموصل وطرقاتها كانت قوى الوطن مقسومة على نفسها وقسم منها تزين له قرباه من قلب الزعيم – أو من خبث الزعيم – انه قادر على أن يسحق الآخرين و أن (يسحل) بالحبال التي تتلوى في الهواء كل من يقف في طريقه. وما جرى بعد ذلك هو النتائج الطبيعية لمقدمات المأساة.. عقد المهرجان الكبير في هذا المناخ العصيب المتوتر بعد أن أرسل مكتب الزعيم الأوحد برقية إلى الشواف تطلب منه بقاء القطعات العسكرية في ثكناتها يومي 5و6 بمناسبة انعقاد المهرجان وفي اليوم السابع أيضا أرسلت برقية أخرى تطلب من آمر المنطقة العسكرية استمرار بقاء القطعات العسكرية داخل ثكناتها. وبعدما تم المهرجان وانفض حاولت القوى القومية أن تقوم بالمقابل بالتعبير عن وجودها الحقيقي في المدينة واعترض الشيوعيون وطالبوا بنزول القوات العسكرية – التي كانت لديها أوامر بالبقاء في ثكناتها حتى يعقدوا مهرجانهم – كي تفض التجمع القومي ولكن التظاهرة القومية سارت في المدينة وازدادت اتساعا وإذا بطلقات الرصاص تنهمر عليها ونيران الحرائق تتصاعد من المكتبات والمحلات والمقاهي المملوكة لعناصر تنتسب الى الحركة القومية ومظاهرة مقابلة يقودها الشيوعيون تحاول أن تحاصر المظاهرة الاولى وعند منطقة في المدينة تسمى (باب البيض) وهي منطقة يهيمن عليها القوميون بشكل كامل – بدأت المظاهرة الشيوعية تفقد أعصابها فأخذ أفرادها يهاجمون البيوت ويخرجون ساكنيها منها ويلقون بهم الى الطرقات المجنونة حيث العنف وحده هو السيد المطاع. (يتبع)