تعيش الأسرة التونسية خلال هذا الشهر مرحلة استثنائية بامتياز، كثرة الاستهلاك في رمضان مقابل غلاء المعيشة، امتحانات آخر السنة في ظل الصيام، عيد يقترب وأسعار الملابس خيالية دون اعتبار تراكمات 8 سنوات من الضغط. تونس «الشروق»: لم تترك ضغوطات الحياة أي منفذ تتنفس منه الأسرة التونسية او أي برهة من الزمن تحصل فيها على هدنة. فتجدد معنوياتها للتعرض الى ضغوطات أخرى ... حلقة متواصلة من الحاجيات والالتزامات وفي المقابل شح الموارد المالية وانهيار الدينار وارتفاع الأسعار وأكاد أجزم أن 99 بالمائة من التونسيين حصلوا على الدكتوراه أو ما يسمى بأسلوب «الحذاقة». ولكنهم لم يقدروا على الحفاظ على التوازن الاقتصادي الذي أثر سلبا على الجانب النفسي والمعنوي والعلائقي. ومن المؤكد أن الأسرة التونسية تعيش حاليا تحت ضغط المصاريف وايضا تحت ضغط الامتحانات. إذ كيف يمكن أن نجعل الاولاد يهتمون بمراجعة دروسهم في ظل الصيام نهارا وبعد الصيام ليلا ومنعهم من متابعة البرامج التلفزية والمسلسلات وشحن معنوياتهم وتقوية إرادتهم. واثر الامتحانات سوف تدخل الاسرة في دوامة التفكير في ملابس العيد التي تم ارجاؤها لان أبناءهم كانوا منشغلين بالامتحانات وليس بالملابس ولن يختلف اثنان في حجم الضغط النفسي والمعنوي الذي تتعرض له الاسر حاليا. استراتيجية بمناسبة اليوم العالمي للأسرة صادق مجلس وزاري يوم 8 ماي الجاري على الاستراتيجية الوطنية لتطوير قطاع الأسرة والخطة الوطنية الخماسية 20182022. وتهدف هذه الاستراتيجية التي تعدّ أولّ استراتيجية قطاعية في هذا المجال، إلى تطوير المنظومة التشريعية في مجال الأسرة تدعيما للمساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين، ودعم وظائف الأسرة وإكسابها النجاعة والفاعلية وتعزيز أدوارها والعلاقات داخلها ومع المحيط الخارجي، وتمكين الأسر ذات الوضعيات الخاصة ومرافقتها ودعم قدراتها، إلى جانب تحقيق الرفاه الأسري والتنمية المستدامة لكافة أفراد الأسر وتطوير العقليات وتوعية الأسر. وعلى مستوى التمكين الاقتصادي للأسر، فقد استهدف برنامج التمكين الاقتصادي للأسر الفقيرة ومحدودة الدخل ذات الوضعيات الخصوصية 727 أسرة من خلال تمكينها من مشاريع بعث موارد رزق ومشاريع اقتصادية صغرى ومتناهية الصغر إلى حدود سنة 2018 باعتمادات تقدر ب2.520م.د. كما تعمل الوزارة على تنفيذ برنامج النهوض بالأسرة الذي يتضمن أنشطة توعية وتثقيف وتأهيل لإعداد الشباب للحياة الزوجية والتربية الوالدية والمرافقة العائلية والوقاية من السلوكات السلبية، والإرشاد والتوجيه الأسري... ويستهدف مختلف الشرائح العمرية من شباب وأولياء وكبار السن وأطفال وذلك عن طريق. الشيخ أحمد الغربي.. عودوا إلى التكافل والتراحم قال الشيخ أحمد الغربي في تصريح ل:»الشروق» إن الحياة العصرية تتصف بالضغط النفسي. وحياة الانسان أصبحت معقدة في كل المجالات ومجتمعنا تحول الى مجتمع استهلاك بامتياز. وأعتبر أن الانسان هو المسؤول عن الضغط والحالة التي يعيشها باعتبار إقباله الشديد على ملذات الدنيا وبالتالي الدفع الى مزيد الاستهلاك والاقبال على التداين. وهي ظاهرة أصبحنا نراها خاصة في شهر رمضان. وذكر أن ضعف المداخيل المالية للشخص يجعله يعيش هموما مستمرة وسباقا محموما نحو تلبية رغباته ورغبات أسرته وهذا السباق هو الذي يولد «الضغط النفسي» ويجعل الانسان لا يفكر الا في المادة وردود أفعاله عنيفة. وهو ما نطلق عليه بالعامية «خرج من سينتو». وأضاف أن من الأسباب أيضا ضعف الوازع الديني في نفوس الكثير من الناس لأن الدين يدعونا الى التوازن النفسي بين الروح والمادة والله يلجأ إليه حتى يفرج كربته ومن جهة أخرى يدعونا الى التوسط والاعتدال في كل شيء وخاصة في مسألة الانفاق وينهانا عن التبذير. ويقول تعالى :»ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا».ويقول أيضا في كتابه العزيز:»ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا». وأشار الى غياب التعاون بين أفراد الأسرة وطغيان الانانية في حين أن الدين يدعو الى بناء مجتمع مبني على التكافل والتراحم. ولذلك يجب العودة الى تعاليم الدين التي تدعو الى التعاون بين المسلمين وبناء مجتمع مبني على التكافل والتراحم القوي وان يقف الغني الى جانب الضعيف والقوي الى جانب الضعيف وبذلك يصدق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". د.حمزة ضي خبير دولي في العلاقات الإنسانية والأسرية .. لابد من إعادة النظر في طرق عيشنا قال الدكتور حمزة ضي ل:»الشروق» إنه لئن كان شهر رمضان، هو شهر تجتمع فيه الأسرة وتتعزز فيه الروابط الأسرية والعلاقات الإنسانية وما تحمله من معان نبيلة من حب ومودة وثقة متبادلة، مما ينتج إحساسا بالأمان وتخفيفا لأعباء وضغوطات الحياة لكن في وقتنا الحاضر ارتبط شهر رمضان لدى الغالبية من الأسر التونسية بثقافة الاستهلاك. وأصبح دخول شهر رمضان صورة "للهفة" الشراء والتسارع على اقتناء ما يزيد الاحتياجات العادية اليومية. وأحيانا نجد أسرا تحصل على قرض بنكي لمجابهة تكاليف رمضان والاستعداد للعيد. وهذا ما يسبب عبءا ثقيلا لدى الغالبية من الأسر. إذ مع تسارع وتيرة الحياة في شهر رمضان وزيادة ضغوطات التكاليف أصبحت الأسرة التونسية أسيرة لكثير من الضغوطات النفسية التي تؤرقها وتسلب منها توازنها مع مرور الوقت. فيجد الفرد نفسه أمام كل من التوتر النفسي والعصبي. فيبدأ في المعاناة من الأعراض السلوكية والنفسية والاجتماعية. وقد تنعكس آثار هذه الضغوط على الأسرة بالدرجة الأولى. حيث قد تعجز عن القيام بوظائفها على أكمل وجه. ومن ثم تنعكس على المجتمع ككل. ودعا الى العودة إلى إحياء العلاقات الأسرية والزيارات الاجتماعية التي من شأنها أن تعد سببا في مقاومة الضغوطات النفسية، لأن العلاقات الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في استقرار الحالة النفسية وتحسنها. حيث أن تواجد الترابط الأسري في رمضان يعيد توازن الحالة النفسية ويعزز الجانب النفسي لدى الكثير من الأشخاص مع الابتعاد عن العادات السيئة مثل الإسراف في الشراء، حيث يعتبر الإسراف من السلوكيات غير الإنسانية وغير الأخلاقية اجتماعيا وتفيد عديد الدراسات أن نفسية الاكتئاب والإحباط مقترنة بالإفراط في الاستهلاك، وعدم القدرة على ضبط الشهوات.. وأضاف أن من أسباب الضغوط النفسية نجد كثرة التفكير في متطلبات هذا الشهر ومتطلبات الأبناء خاصة أن الأسرة التونسية مقبلة على العيد والصيف والعودة المدرسية مما يسبب في العصبية والتوتر المستمر وسرعة التعب والإرهاق وصولا إلى العزلة والإحباط والاكتئاب. وبالتالي ينبغي أن نرى في شهر رمضان فرصة حقيقية لإعادة النظر في أسلوب عيشنا وطريقة تفكيرنا نحو الاتزان وترتيب الأولويات من حيث الاستهلاك ونحو قبول النفس والتفاؤل، والأمل في المواجهة والتعامل مع الآخر في الأسرة والمجتمع .. وعلى الآباء والأمهات التركيز على اللحظة الحالية والحاضر الذي يعيشونه. فعندما يعيش الفرد يومه وحاضره سيحدد درجة نجاح مستقبله إضافة إلى وضع أهداف واضحة لحياة الأبناء اليومية أو الموسمية حيث تكون واضحة وقابلة للتحقّق.