كان الإمام علي في الرابعة عشرة من عمره عندما تزوج من السيدة فاطمة التي لم يكن عمرها يتجاوز التسع سنوات وقتها، ومع ذلك فقد كانت مكتملة، ناضجة، قادرة على تصريف وتدبير شؤون بيت الزوجية. ولم تكد تبلغ الثانية عشرة من عمرها حتى حملت بابنها البكر. وصادف أن كان الرسول ﷺ عندما وضعت السيدة فاطمة حملها خارج المدينة، فتوافق الرأي على تسميته «حرب»... وحين عاد الرسول ﷺ أسرع يعود ابنته ومولودها الجديد، وحين أخبروه باسمه رفض وقال لهم بل سمّوه «الحسن». ويعيد التاريخ نفسه مع المولود الثاني، ويرغب علي في تسميته «حرب» لكن الرسول سمّاه «الحسين». ولما ولد الثالث أعاد علي نفس المحاولة لكن الرسول ﷺ سمّاه «محسن»، وقال لهم «إنّي سمّيتهم بولد هارون: شبر وشبير ومشبر». وتروي كتب السّيرة قصّة نادرة عن سيّدنا الحسين الذي لم ترضعه أنثى أبدا. تقول القصّة أن رسول اللّه ﷺ أخذ الحسين وجعل لسانه في فمه وكان الحسين يمصّه وكأنه يرضعه. وظلّ رسول اللّه ﷺ يأتيه كل يوم ويكرّر نفس العمل، حتى اشتدّ عوده ولم يرتضع من أمّه ولا من أيّة مرضعة أخرى. وقد خلّد أحد العلماء هذه الحادثة بأبيات رشيقة جاء فيها: «لله مرتضع لم يرتضع أبدا من ثدي أنثى ومن طه مراضعه يعطيه إبهامه آنا وآونة لسانه فاستوت منه طبائعه» بعد ذلك رزق علي وفاطمة بالسيدة زينب والسيدة أم كلثوم وبطفل رابع. وتقول أخبار السيرة أن عليّا لم يتزوج على السيدة فاطمة في حياتها وإن كان بعض المغرضين يدسّون أباطيل عن اعتزامه في حياة الرسول ﷺ خطبة بنت أبي جهل. ومع ذلك فقد كانت تحدث بعض المناكفات بين الزوجين حتى أن الرسول ﷺ علم بإحداها ذات مرّة حين زار بيت علي فلم يجده في البيت فسأل عنه فاطمة، فأخبرته بأن شيئا ما حدث بينهما فغاضبها وخرج ولم يقل عندها. بعث الرسول في تقصّي أخباره فوجدوه نائما في المسجد. التحق به الرسول وكان يغطّ في نوم عميق وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل الرسول ﷺ يمسحه عنه ويقول «قم يا أبا التراب قم يا أبا التراب». ويحدث الإمام علي أن كنية أبي تراب كانت أحبّ كنية الى نفسه وكان يفرح أن يُدعى بها... وتمضي السنوات وينتقل رسول اللّه ﷺ الى الرّفيق الأعلى لتكون السيدة فاطمة أول من يلحق به. ولقد تلقّت عديد الاشارات على قرب الرحيل واللّحاق بوالدها حتى أنها أخبرت عليّا ذات يوم أنها ذاهبة للقاء ضيف، وحين سألها متى تعود؟ قالت: «لا مرجع إلا يوم القيامة». وحين ألحّ عليها في طلب تفسير كلمها وكيف علمت برحيلها مع أن الوحي قد انتهى أخبرته أنها رأت والدها في المنام وقال لها: يا فاطمة طال العهد واشتدّ الشوق وأنا منتظرك، فلما سمع علي هذا الكلام بكى وأنشد يقول شعرا: «كلِّ اجتماعٍ من خليلين فرقةٌ وكلُّ الذي دونَ الفراقِ قليلُ وإن افتقادي فاطمة بعد أحمدٍ دليلٌ على أن ألا يدومَ خليلُ وكيف العيشُ من بعد فقدِهم لعمرك شيءٌ ما إليه سبيلُ» ثم أوصاها بالسلام على أبيها وألاّ تشتكيه إليه وأن تشفع له يوم القيامة.