شهدت مدينة تونس منذ الثلاثينات من القرن العشرين ظهور عدد من المجالس الأدبية في بعض المقاهي بالأحياء الشعبيّة، مثل مجلس الشيخ محمد العربي الكبادي، بمقهى البانكة العريانة بحيّ باب المنارة وكانت تحضرُه نخبة من الأدباء أمثال البشير الفورتي والهادي العبيدي ومحمّد المرزوقي، ومقهى تحت السور بباب سويقة الذي كان أشهر المقاهي في هذا المجال، وقد عرف أيضا باسم «مقهى سيدانه» أو «مقهي خالي علي»، وهو يقع في الزاوية المحصورة بين بداية نهج حمام الرميمي وبداية نهج علي البلهوان الحالي. فقد اكتسب هذا المقهى شهرة واسعة فيما بين سنتي 1929 و1943، لأنّه كانت تؤمّه مجموعة من الأدباء والصحفيين والرسّامين والفنّانين من أبرزهم: علي الدوعاجي وعبد الرزاق كرباكة والهادي العبيدي ومصطفى خريّف ومحمد العريبي ومحمود بيرم التونسي وعبد العزيز العروي وعلي الجندوبي ومحمد بن فضيلة.وكان بالنسبة إليهم بمنزلة النادي الأدبي، فيه تجري المطارحات والمناقشات والأسمار الأدبيّة. وأشار عزّ الدين المدني في مقدّمة كتابه «تحت السور» إلى روّاد هذا المقهى بقوله:»لم يكن في وسع هؤلاء الروّاد، أيّام شبابهم، أن يواصلوا تعلّمهم في المدرسة الصادقية لقلّة ذات اليد، فانكبّوا يثقّفون أنفسهم بصورة عصاميّة، بالمطالعة، بالتأمّل، بالاحتكاك الاجتماعي المستمرّ، بالتتلمذ لأدباء سبقوهم في الميدان، بالدخول في صلب الحركة الوطنيّة التحريريّة، والذود عنها على أعمدة الصحف أو على أركاح المسارح... إلاّ أنّ آفاقهم كانت مسدودة أو يرونها مسدودة مغلقة، وكان وضعهم بائسا، خاسرا، منحدرا، ومطامحهم معطّلة، معرقلة، مشلولة. كانوا يتمعّشون ولا يعيشون، يتسكّعون ولا يصيرون، يحوّرون ولا يهدفون. كانت السياسة الاستعماريّة تعمل عملها فيهم، بقطع آمالهم وتقويض رجائهم، بتفريقهم وعزلهم، وبثّ البوليس والخائن والمُخبر في صفوفهم، واصطناع بعضهم وإرشاء بعضهم الاخر...».