قوّة إيمان... قوّة عقيدة... قوّة نفسية... شجاعة قلّ نظيرها... قدرات قتالية خارقة... مقوّمات راكمها الإمام علي بن طالب وهو ينمو ويكبر في كنف ابن العمّ والرّسول والأخ والحبيب محمّد بن عبد اللّه ﷺ، لكأنما تدخلت العناية الإلهية بجعله ينمو ويترعرع في بيت الرسول ويرضع من نبع القيم والشمائل المحمدية... محمّد ﷺ ابن العمّ لم يكن مجرّد قريب بل كان رجلا تعدّه العناية الإلهية والعناية الربّانية ليتحمّل أعباء تبليغ الرسالة، رسالة الإسلام، لذلك فإنه لم يكن ينطق عن الهوى وكانت كل تعاليمه وسلوكاته من قبيل الوحي الذي يوحى. لذلك فإن شخصية علي الذي انتقل الى بيت محمّد ﷺ وخديجة وعمره بالكاد 6 سنوات تكوّنت على تعاليم وتوجيهات الرسول الأكرم ﷺ، ليكبر ذلك الطفل الصغير ويشبّ وهو متشبّع بمكارم الأخلاق وبقيم الشهامة والنبل والرجولة والإقدام والشجاعة. وقد خبره الرسول ﷺ ليلة هجرته المباركة عندما استأمنه على سرّه وكلّفه بمهمة المبيت في فراشه ومشاغلة قريش الى حين رحيله مع صاحبه أبي بكر الصدّيق. وهي المهمة التي نهض بها الإمام علي كأحسن ما يكون... بل وزاد عليها بأن ردّ كل الأمانات التي تركها أصحابها عند الرسول ﷺ قبل أن يجهّز نفسه هو الآخر للهجرة واللّحاق بالرسول وبالمهاجرين في بلد الأنصار طيبة الطيّبة أو المدينة المنوّرة. هذه الخصال التي ظهرت في شخصية الإمام علي... وهذه الشجاعة التي طبعت أداءه ورباطة الجأش التي اكتسبها من معايشته لابن عمّه الرسول وهو يكابد ويحمل ما تئنّ به الجبال في سبيل إبلاغ الرسالة وتوطيد أركان الإيمان ودعم أسس الدولة الاسلامية التي نبتت على أرض المدينة... هذه الخصال والشمائل بوّأته ليتقدم الصفوف وليحتل مكانة مرموقة في كل المعارك والغزوات التي سوف يخوضها المسلمون تحت راية لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه دفاعا عن الرسالة وعن الرسول ﷺ سعيا الى نشر تعاليم الدين الجديد في كل الربوع. وتشاء المقادير أن تكون معركة بدر الخالدة أولى المعارك الكبرى والمفصلية التي يخوضها المسلمون وجيش محمّد على هذا الدرب... وهي معركة مكّنت الشاب والمجاهد والبارع في الجهاد والمتمكّن من فنون وأساليب القتال علي بن أبي طالب من تثبيت نفسه وفرض اسمه كبطل إسلامي سوف تنطلق سيرته لتطبّق الآفاق البعيدة ولتحفر للإمام علي مكانة مرموقة في قلوب المؤمنين في كل ربوع الأرض... مكانة جعلته يسكن المخيال الشعبي لكل سكان الجزيرة العربية والبلاد المجاورة وجعلت الأسلوب الروائي الذي كانت تتناقل به الأخبار والسير يطلق العنان ليلامس الخرافة والأسطورة وينسج حول الإمام علي حكايات جهِد هو نفسه في مقاومتها وفي تذكير الجميع بأنه ليس أكثر من رجل مؤمن يتفانى في نشر رسالة الإسلام... ومع معركة بدر والبلاء الذي أبلاه سيّدنا علي رضي اللّه عنه وكرّم اللّه وجهه تكون وقفتنا القادمة.