يبدو أن المسار الانتخابي في تونس بات مهددا أكثر من أي وقت مضى. وهو المحاصر بمجتمع سياسي فاقد لكل الأخلاقيات وبمحاولات تدخّل لقوى أجنبيّة تحاول تكريس الفوضى وتقويض التجربة الديمقراطية في البلاد باستعمال منصّات الميديا الاجتماعية. تونس(الشروق) في 16 ماي الجاري أعلنت إدارة فايسبوك في بيان رسمي موقّع باسم ناضانيال قلايشر المسؤول عن سياسة الامن السيبرني في الموقع عن غلقها 265 صفحة وحسابات في فايسبوك وفي انستغرام ومجموعة من الأنشطة والأحداث تخالف قواعد فايسبوك من حيث نشر الأخبار الزائفة. وقال البيان إنّ هذه الصفحات تدار من إسرائيل. وهي تستهدف مجموعة من الدول التي تستعد لتنظيم انتخابات. وقد ركزت أساسا على نيجيريا والسينغال والطوغو وانغولا والنيجر وتونس. خبر لم يكن مفاجئا بالنسبة لمتابعي تطورات نشاط "فايسبوك" خلال السنوات الأخيرة. حيث أجْبِر مؤسس "فايسبوك" مارك زوكربورغ قبل سنة على المثول أمام مجلس الشيوخ الأمريكي إثر فضيحة مؤسسة كامبريدج اناليتيكا البريطانية التي سرقت معطيات شخصية ل50 مليون مستخدم للفايسبوك لتوجيههم في الانتخابات الامريكية. كما أن أعرق الديمقراطيات بدأت منذ تلك الحادثة في سنّ إجراءات حمائية داخلية لحماية ديمقراطيتها. والخبر كان منتظرا بالنسبة لخبراء الميديا الاجتماعية الذين يعتقدون ان فايسبوك أصبح له دور رئيسي في توجيه نوايا التصويت باستغلال المعطيات الشخصية للأفراد والتأثير عليهم من خلال ترويج الأخبار الزائفة. كما بات يُنظر الى الميديا الاجتماعية على أنها الفاعل السياسي الجديد الذي بدأ بصناعة الشعبويين في العالم وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترومب. إجراءات حمائية هذا الخبر استقبله المجتمع السياسي في تونس بشكل لم يكن متوقعا. ففي الوقت الذي كان يجب فيه اعلان حالة الطوارئ السيبرنية لملاحقة الاشهار السياسي وتعقّب صفحات التشويه وتدخّل جميع الأطراف الرئيسية في العملية الانتخابية وفي مقدمتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لحماية الانتخابات وهذه التجربة الديمقراطية الوليدة وجدنا توظيفا سياسيا للخبر. من ضمن الصفحات التي أغلقها "فايسبوك" وأعلن عنها في بيانه الرسمي صفحة تدعو الى تكريس عدم الثقة بين الاعلام والجمهور. وهي صفحة غايتها ضرب مصداقية الاعلام للسيطرة على المتلقّي وجعله مستهلكا للأخبار الزائفة. وهكذا يسهل ترويج هذه الأخبار الزائفة التي بدأت بمسّ رمزيّة الدولة متمثلة في شخص رئيس السلطة التنفيذية. ولا يهمّ الاسم هنا فالصفحات كانت تستهدف السلطة من خلال شعار «ارحل لرئيس الحكومة». والغاية من ذلك هي إرباك المشهد العام وزعزعة الاستقرار فتكريس القطيعة بين الإعلام والجمهور. وهي أزمة حقيقية ما يزال يعاني منها قطاع الاعلام رغم مضي 9 سنوات على انتهاء دكتاتورية ال23 سنة سيطرة مطلقة على الاعلام، وزعزعة الاستقرار في البلاد والسعي الى الركوب على الحراك الاجتماعي لبثّ الفوضى في البلاد هي رسائل لا يمكن أن تكون سوى من قوة إقليمية حقودة على التجربة الديمقراطية التونسية. وهي قوى لا تريد لهذه التجربة الوليدة أن تنجح. لكن كيف تفاعلنا نحن مع هذا الخبر؟ وكيف سنواجه صفحات أخرى مماثلة ما تزال نشطة وتهدف الى هدم المعبد على رؤوسنا جميعا؟ ركوب على الخبر قبل إعلان إدارة "فايسبوك" حجبها صفحات وحسابات تركّز على عدد من الدول التي تستعد للانتخابات ومن بينها تونس كان المجتمع السياسي يتخبّط في التراشق بالاتهامات. حيث أن هذا الظهور المفاجئ لصفحات تشويه (من بينها الصفحات التي قررت إدارة فايسبوك حجبها) حازت في وقت قليل على عشرات الآلاف من الإعجاب جعلت الكل يشكّ في الكل والكل يتهم الكل والكل يحاول من موقعه إحداث صفحة تشوّه خصمه السياسي. وهنا نجحت القوى الحقودة بهذه الصفحات في زعزعة ما تبقّى من الأخلاقيات في المجتمع السياسي التونسي وجعله ساحة حرب لا نعلم كيف ستكون تطوراتها قُبيْل الموعد الانتخابي. وحين جاء الخبر استمرّت حالة فقدان البصر والبصيرة في صفوف المجتمع السياسي. فلم نر ولو تصريحا واحدا أو بيانا واحدا يؤكد تطوّر الوعي لدى الفاعل السياسي التونسي ومصارحته لنفسه وللرأي العام بأن الأمن القومي التونسي بات مهددا اليوم في ظلّ غياب أي إجراءات حمائية لحماية الديمقراطية التونسية الوليدة. بل إن أغلب التصريحات حاولت استغلال الخبر لتصنع منه حملة انتخابية لشخص رئيس الحكومة والحال أن المستهدف الحقيقي ليس شخصه بقدر ماهو استقرار البلاد وأمنها وتجربتها الديمقراطية. فأيا كان اسم رئيس الحكومة كانت تلك الصفحات ستهاجمه لأنها تهاجم رمزية الدولة في تونس. فماهو الأهم: المستقبل السياسي ليوسف الشاهد أم أمن تونس واستقرارها؟ الإجابة سهلة وهي أن نوّابا واعلاميين وأنصارا لشخص رئيس الحكومة جعلوا من الخبر ملحمة تاريخية لإظهار صورة يوسف الشاهد على أنه المستهدف والحال أن أمن البلاد واستقرارها وتجربتها الديمقراطية النوعية في شمال أفريقيا والشرق المتوسط هي المستهدف الحقيقي. فمتى نستيقظ من هكذا زلاّت ومتى تتدخّل هيئة الانتخابات لحماية المسار الانتخابي المستهدف أكثر من أي وقت مضى؟ (باحث في الميديا الاجتماعية) ..على تونس التعامل مع "فايسبوك" تونس(الشروق) كانت لموقع "فايسبوك" سوابق وإدارته نفسها اعترفت بأن من أخطر المسائل التي يواجهها نشاطها هو استعمال الموقع كمنصة للتأثير على الحياة السياسية الداخلية في الدول. وهذا أمر مطروح دوليا. وكل الديمقراطيات في العالم بدأت باتخاذ إجراءات حمائية لحماية حياتها السياسية. ففي فرنسا مثلا تم سنّ قانون منذ أقل من سنة لمنع نشر الأخبار الزائفة في الانتخابات. ومن ضمن ما ورد في هذا القانون الفرنسي هو مطالبة "فايسبوك" بنشر اسم مالك الصفحة التي فيها إشهار سياسي. ويتجاوز عدد المعجبين فيها ال20 ألفا. كما يطالب القانون الفرنسي بضرورة وجود ممثل قانوني لكل صفحة يكون فيها عدد معين من المعجبين ويكون نشاطها الإشهار السياسي وذلك لحماية انتخاباتها ولمنع الأخبار الزائفة. وهناك أيضا قوانين مماثلة في إيطاليا وفي ألمانيا. وعموما "فايسبوك" بصدد التعامل بشكل جدّي مع الاتحاد الأوروبي. وهناك إجراءات كبرى تم اتخاذها على مستوى الشفافية لحماية الانتخابات. وفي تونس نحن نحتاج الى التعامل مع "فايسبوك" ويجب أن نتعامل معه لحماية انتخاباتنا وديمقراطيتنا. ففي أمريكا مثلا القانون يفرض الكشف عن اسم مالك أي صفحة يكون نشاطها الاشهار السياسي وبذلك هم يمنعون التخفّي خلف صفحات يكون نشاطها الاشهار السياسي. ولكننا في تونس نتعامل مع مثل هذه المسائل تماما كما نتعامل مع نتائج سبر الآراء فهي جيدة ومحمودة إن أنصفتني وهي سيئة حين لا تنصفني. مازلنا قادرين على حماية انتخاباتنا المقبلة وعلينا البدء فقط بالتفكير في إجراءات حمائية. وأعتقد أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تستطيع التعامل مع فايسبوك وعليها التوجه الى القضاء للكشف عن اسم مالك أي صفحة تقوم بعملية الاشهار السياسي. فالقانون الانتخابي ينصّ على منع الاشهار السياسي في كل المحامل وليس في الميديا فقط. فإذا كنتم لا تعلمون فإنّ الأخبار الزائفة بتمويلات لا تتجاوز 100 الف دينار تستطيع تخريب وطن. ولا بد لهيئة الانتخابات أن تلعب دورها وأن تعلن موقفها من الاشهار السياسي في كل المحامل. وفي اعتقادي الأخبار الزائفة لن تتوقف بمجرد حجب فايسبوك عددا من الصفحات والحسابات. بل هناك صفحات موجودة وهي نشطة.