بالنسبة لنقابة الثانوي فإن كلام الوزير دائما خطير ومثير ويعد عنوانا لانعدام المسؤولية وتجاوز السلطة وسوء التدبير... حتى لو كان تشخيص الوزير دقيقا ومطابقا للواقع وحتى ولو أراد من خلاله التنبيه إلى خلل والدعوة إلى إصلاح. هذا الكلام هو مدخل للحديث عن الزوبعة التي أثارتها نقابة الثانوي احتجاجا على موقف الوزير أو تقييمه لامتحان الباكالوريا رياضة. فقد قال الوزير ان «الباكالوريا رياضة في شكلها الحالي هي عنوان للفساد» وانها تعاني من «تضخيم في الاعداد حيث يحصل 99 ٪ من التلاميذ على اعداد تفوق 18 من 20 وذلك على خلفية الدروس الخصوصية في الرياضة! كلام الوزير أثار حفيظة واستهجان النقابة التي اعتبرته تجاوزا للمسؤولية كسلطة إشراف وتشكيكا مجانيا في نزاهة المشرفين على هذا الاختيار وهو ما عدّ تعدّيا على كفاءة المشرفين على الاختبارات وعلى جدارتهم وكفاءتهم». والمتابع لهذه الزوبعة يدرك بوضوح انها تستند إلى عقلية المناكفات التي تنطلق دائما من مقولة «لو خرجت من جلدك لما عرفتك».. بمعنى ان كلام الوزير دائما خاطئ وفي غير محله ومردود عليه حتى ولو كان صحيحا وفي محلّه وحتى لو شكل منطلقا لفتح ملف بطريقة علمية وبيداغوجية لإصلاح أي اعوجاج قد يكون طرأ من خلال الممارسة والمعاينات الميدانية. والواقع ان الممارسة والمعاينات الميدانية تؤكد، وهو ما لا ينكره أحد أن مادة الرياضة في الباكالوريا قد أصبحت هي الأخرى طريقا للدروس الخصوصية وللتسبب في نزيف إضافي لجيوب الأولياء لتوفير مقابل (وفقة) الزي الرياضي وتكاليف تدريب التلاميذ والتلميذات على الحركات والتمارين الرياضية التي سيجتازونها في اختبار الباكالوريا.. مع ان هذه التمارين والحركات يفترض أن يتدربوا عليها في الساعات العادية المخصصة لمادة الرياضة والتي يتقاضى مقابلها أساتذة الرياضة رواتب شهرية. فهل بإمكان أي تونسي إنكار هذا الواقع؟ وهل يمكن إنكار ذلك التوافق الضمني بين أساتذة الرياضة والتلاميذ والأولياء على الالتحاق بقاعات رياضية خاصة ودفع المقابل المطلوب كاستثمار في العدد الذي سوف يسند في اختبار الباكالوريا رياضة؟ أليس من واجب النقابة التدخل لحماية شفافية الاختبار وجيوب الأولياء لتكون مادة الرياضة مدخلا لاكتشاف البراعم والمواهب التي تغذّي الرياضة المدنية في شتى المجالات بدل أن تكون مدخلا لتضخيم الاعداد وسبيلا للتكسّب عل حساب القيم التربوية وعلى حساب ميزانيات العائلات المنهكة بطبعها؟ هذا الكلام ليس دفاعا عن الوزير، فأي وزير تدافع عنه أفعاله وانجازاته أو تدينه خيباته وإخفاقاته.. لكنه من باب الدعوة إلى شيء من العقلانية في التعاطي مع الشأن التربوي... وإذا وجد خلل أو تشويه في الصورة فيفترض أن ننكب على إصلاح الخلل ومصدر التشويه.. لا أن نكتفي في كل الحالات بلعن المرآة التي عكست الصورة.