من المعارك المفصلية التي خاضها المسلمون في المدينةالمنورة معركة خيبر... وقد اندرجت تحت العنوان الكبير لمعركة الخندق عندما حزمت قريش أمرها وحشدت الكثير من القبائل لتخوض معركة حاسمة مع رسول اللّه ﷺ ومع المسلمين... وهي المعركة التي استعدّ لها المسلمون بحفر الخندق واتخاذه حاجزا بينهم وبين الجيوش المعتدية، وقد أثبت الخندق جدواه في كسر شوكة الكفار والمشركين. وانتهت المنازلة بإبرام صلح الحديبية الذي أراده الرسول ﷺ خطوة تكتيكية يتفرّغ بعدها لقتال يهود بني قريظة الذين كانوا يتحصّنون داخل المدينة والذين آذوا المسلمين بتحريضهم على المسلمين وبالتجييش ضدهّم... وكذلك لقتال قبائل نجد وذلك بعد أن أمن جانب قريش بصلح الحديبية. كان اليهود داخل خيبر يعدّون قرابة عشرة آلاف وكانوا يتمترسون ويتحصّنون خلف حصون متينة يستلزم اكتساحها وإسقاطها جيوشا جرّارة وإمكانيات كبرى لم تكن متاحة لجيش المسلمين، لكن هذا الجيش المتسلّح بقوة الإيمان والعقيدة سوف يثبت أنه يمتلك سلاح الفتك الاشمل القادر على دكّ وإسقاط كل الحصون مهما كانت قويّة. كما أن الرسول ﷺ حرص على تعبئة الشجعان والمخلصين واستبعاد المتخلفين عن الحديبية والطامعين في المغانم وحسب. وتحرّك جيش الاسلام الى خيبر لكسر شوكة اليهود ومعاقبتهم على تآمرهم، وها هو الصحابي الجليل عامر بن الأكوع ينزل ويحدو القوم بقوله: «اللَّهُمَّ لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا... ولا تَصَدَّقْنا ولا صَلَّيْنا فاغْفِرْ فِداءً لكَ ما أبْقَيْنا... وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنا... وثَبِّتِ الأقْدامَ إنْ لاقَيْنا... إنَّا إذا صِيحَ بنا أبَيْنا وَبِالصِّياحِ عَوَّلُوا عَلَيْنا». حاصر المسلمون خيبر وارتدّ اليهود وراء حصونهم رافضين الدعوات بالدخول الى الاسلام ومصرّين على خيار المواجهة. واحتدم القتال واستعصت الحصون في البداية، ليتوالى سقوط الحصون بعد ذلك إلا واحدا، وتتجه عبقرية الرسول القائد ﷺ مجدّدا الى الحل الجذري، فيقرّر منح الراية لابن عمّه علي وتكليفه بالهجوم على الحصن. وقد قال ليلتها: «لأعطينّ هذه الراية غدا رجلا يفتح اللّه على يديه، يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله». ويبيت المسلمون ليلتهم وهم يتطلّعون الى الصباح ليروا لمن تُعطى الراية ومن يكون الشخص المعني بحديث الرسول ﷺ... وفي الصباح سأل الرسول: أين علي بن أبي طالب، فقيل هو يا رسول اللّه يشتكي عينيه (كان مصابا بالرمد وقتها). طلب الرسول حضوره فأتى إليه فبصق ﷺ في عينيه ودعا له فبرأ وكأن لم يكن به ألم وأعطاه الراية وأوصاه بدعوتهم الى الاسلام عندما ينزل بساحتهم... وبالفعل فتح اللّه على يديه وسقط آخر حصون اليهود لتتكرّس شجاعة وزعامة علي في قيادة المعارك الكبرى.