إن للعبادات آثاراً جليلة على السلوك الإنساني، فللصلاة أثرها، وللحج أُثره، وللزكاة والصدقات والإنفاق آثار، وللصيام أثره الجليل العظيم، والناظر إلى المجتمع الإسلامي في شهر رمضان يعجب من الصلاح النسبي الظاهر في المجتمع خاصة في النهار، فمهما كان المجتمع بعيداً عن خلق الإسلام فسيتغير الحال في رمضان، فتمتلئ المساجد، ويختم أكثر الناس القرآن الكريم، ويكثرون من الذكر والتوبة، ويرسلون الدموع، ويظهرون الخشوع، ويجهرون بالاعتراف، ويندمون على الاقتراف، ولهذا فان للصوم أثر كبير على السلوك الإنساني وله أبعاد تربوية والصحية والاجتماعية والاقتصادية. ويتمثل البعد التربوي للصيام في كونه مدرسة تربوية لتهذيب الأخلاق والسمو بالنفس عن شهواتها ورغباتها إذ يعيش المسلم في خلقه ارفع درجات الصفاء والإخلاص، فيه تربية للإرادة القوية وتدريب على الصبر وقاية من الإثم في الدنيا، ومن النار في الآخرة كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَ إِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائمٌ - مَرَّتَيْنِ - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. (أخرجه البخاري). و يتجلى البعد الصحّي للصيام في كونه يساعد على تحقيق أثار نافعة في الصحة والبدن، كما شهد بذلك الأطباء المختصون فهو يريح المعدة والجهاز الهضمي ويجنب الصائم أمراض التخمة والإفراط في السمنة. ويظهر البعد الاجتماعي للصيام في إن فرض عدم تناول الطعام و الشراب على كل الناس وإذ كانوا قادرين على ذلك يوجد نوع من المساواة الالزامية في الحرمان ويزرع في أنفس الميسورين الإحساس بآلام الفقراء والمحرمين. والصوم له أبعاد اقتصادية لو طبقها المسلم لوفّر في شهر رمضان على نفسه نفقات لا يمكن توفيرها في غيره حيث يساعد شهر رمضان على التخفيف من نفقات البيت نظرا لتخفيض عدد وجبات الأكل في اليوم، كما أن العمل المستمر دون انقطاع يؤدي إلى الزيادة في الإنتاج.