ذكر عدد من الكتاب والمؤرخين ان سيرة هارون الرشيد تعرضت لتشويه متعمد وان سيرته الحقيقة بعيدة عما كتبه الكثيرون وسنقتبس هنا بعض ما كتبه جملة منهم مثل الكاتب الكبير عباس محمود العقاد الذي اكد ان للحالة الاجتماعية في عهد هارون الرشيد تأثيرها الشديد على الحالة الفكرية فاحوال المعيشة هي التي دفعت المسلمين اذ ذاك الى الانتقال من حضارة عربية محضة الى حضارة عالمية فوجد المسلمون انفسهم في دولة يحيط بها اجيال من الفرس والروم والترك والفرنجة والهند والصين وبذلك اصبح انحصار الفكر في الحدود العربية من اصعب الامور فانفسح افق النظر بالمراس والتجربة والمشاهدة قبل ان ينفسح بترجمة الكتب عن الفرس واليونان وقد بدأ ذلك بالتدرج شيئا من عهد المنصور حتى عهد المأمون . لذلك كانت الحياة الدراسية الى عهد الرشيد مقصورة على تحصيل المعارف العربية حين وجدت في عالم الدين او في عالم اللغة او في عالم الادب الا ما ندر من الترجمات والمنقولات فمعظم الباحثين والمفكرين كانوا من فقهاء الدين او مؤرخي الغزوات او جامعي القصائد والروايات او مصححي اللغة وقواعد النحو والصرف والاشتقاق ، كانهم كانوا يسجلون حساب الثروة العربية قبل ان يختلط بغيره من حساب الثروات التي اوشكت ان تشاركها في مجال الثقافة والتفكير . اما الترجمات الوافدة من الامم المختلفة فكانت نادرة لان هناك ترجمات بدأت في عهد المنصور وواصلت سيرها الى عهد الرشيد ولكنها لم تشمل الطابع العام ولم تكن على الصورة التي جدت في عهد المأمون وقد بدأ الرشيد بانشاء بيت الحكمة ولكنه كان بذرا يوضع في ارض ولم يؤت الثمر الا من بعده . كما ذكر المؤرخ محمد كرد علي قائلا هل يعقل القول ان جبار بني العباس الذي اشجى الروم وقمعهم وكان من اكبر همه الا يدعهم يوما يتنفسون الصعداء واغزى ابنه القاسم بلاد الروم مرة فقتل منهم خمسين الفا واخذ خمسة الاف دابة بسروج الفضة ولجمها وعمل من السفن الحربية ما لم يقم بمثله احد قبله وقسم الاموال في الثغور والسواحل واختزل الثغور من الجزيرة وقنسرين وسماها العواصم ، هذا الجبار يستحيل ان يكون كما صورته كتب الادب والمحاضرات . كما رد المؤرخ كرد علي على المستشرق سترستين بقوله « اننا نعرف معرفة لا مجال للشك فيها ان عصر الرشيد وابنه المأمون كانا ارقى عصور بني العباس ومن اسعدها على الناس وقد دعاه المؤرخون من الافرنج بالعصر الذهبي ولعل السيد سترستين استنتج ذلك من كون الرشيد عهد لابراهيم بن الاغلب بامارة افريقية مقابل اربعين الف دينار كل سنة وينزل عن المعونة التي كان سلفه يأخذها من مصر وقدرها مئة الف دينار وان يجعل الامارة وراثية تتناقل في اعقاب ذلك الامير . يتبع