تكشف حجوزات المواد الغذائية واللحوم خلال رمضان عن فظاعة التلاعب بصحة التونسيين. وتدفعنا الى التساؤل كيف بلغنا هذا الحد من الاستهانة بالناس؟ وأين المراقبة من كل هذا؟ تونس- الشروق: يفترض خلال شهر رمضان أن ينخفض منسوب التجاوزات بنسب هامة بفضل الصيام كفريضة تنهى عن الغش والتلاعب بصحة الناس. لكن للأسف في بلادنا تحول الى فرصة لمزيد التفنن في ممارسات الغش لتصبح أكثر فظاعة . والتلاعب بصحة التونسيين لا يهم فقط المحلات العشوائية والمستودعات التي تذبح اللحوم وتروجها في ظروف غير صحية بل ايضا القطاع المراقب والمنظم الذي يعمد أصحابه الى ممارسة العنف ضد أعوان المراقبة. أطنان من المواد الفاسدة قال الدكتور محمد الرابحي مدير عام إدارة حفظ الصحة وحماية المحيط إن أعوان المراقبة يتعرضون للعنف في عديد المناسبات وآخرها عون مراقبة بلغ حجم العنف الموجه ضده حد الحصول على شهادة طبية وراحة بأسابيع. وأوضح أن العنف بالنسبة الى أعواننا ينضوي تحت اطار مخاطر المهنة. والأهم هو الحد من حجم الكوارث الصحية التي تتربص بالشعب التونسي. وقال :»لئن تراجع عدد المحلات المنتصبة عشوائيا في تونس مقارنة بالسنوات السابقة الا انها في المحلات عموما لازالت كبيرة وكهيكل رقابي تقوم ادارة حفظ الصحة كل اسبوع بعملية جرد لحصيلة المخالفات والحجوزات «. وبخصوص الحصيلة الحالية أفاد بأنه بعد ثلاثة أسابيع تجاوزنا 62 الف زيارة تفقد ومراقبة تم من خلالها رفع أكثر من 5 آلاف مخالفة وتحرير أكثر من 700 محضر عدلي واقتراح غلق 166 محلا مفتوحا للعموم في قطاع غذائي مخل بشروط حفظ الصحة وحجز اكثر من 41 الف طن من المواد الغذائية الفاسدة وأكثر من 5600 لتر من المشروبات سواء (غازية أو حليبا) وحجز أكثر من 12 الف علبة ياغورت. وأوضح أنه في تقسيم المحجوزات حسب الاهمية نجد أن الخضر والغلال تحتل النسبة الاهم في حدود 48 بالمائة. وتليها مباشرة المرطبات والحلويات بنسبة 15 بالمائة واللحوم الحمراء أو الدواجن ب 8 بالمائة والأجبان ب5 بالمائة. وتم في المقابل حجز كمية هامة من الملونات 75 كلغ التي تعتمد في الحلويات والمرطبات غير صالحة للاستعمال. وأشار الى أن تكثيف المراقبة الصحية انطلق مع بداية النصف الثاني من رمضان مع التركيز على محلات صنع المرطبات وبيعها والمخابز باعتبار أن المستهلك يهتم بهذه المواد خلال الفترة الثانية من الشهر . وحول مقارنة الغش بين رمضان الحالي ورمضان السنة الماضية قال إن الكميات المحجوزة من السوائل (مشروبات غازية وحليب) ارتفعت بنسبة 43 بالمائة وارتفعت نسبة المحاضربينما انخفضت المخالفات بنسبة ضئيلة. وحول نجاعة دور المراقبة في الحد من هذه الممارسات الخطيرة على صحة التونسيين قال إن الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية سوف يكون لها الاثر الايجابي بتجميع هياكل المراقبة (الصحة الحيوانية والنباتية والجودة ) وسوف يكون لها اثر ايجابي في الحد من التجاوزات والتنسيق بين جميع المتدخلين وايضا حل مشاكل التشهير بالشركات الكبرى خوفا من التتبع. الغش في اللحوم نعاني في تونس من الغش في اللحوم ولم يعد مجال الحديث عن اللحوم الفاسدة. بل تجاوزها للحديث عن ترويج لحوم الحمير والقطط. وفي هذا الاطار قال الدكتور خالد زروق بيطري إن المستهلك التونسي لايمكن أن يفرق بين اللحوم المعروضة عليه فلحم الحمير يشبه لحوم الابقار ولحوم القطط تشبه الارانب. وأوضح ان هذه النوعية من اللحوم ليست ضارة صحيا الا في حال مرض الحيوان أو أن يكون حاملا لفيروس فمثلا في الصين يستهلكون لحوم القطط والكلاب بكثرة وفي لبنان لا يستهلكون لحوم الارانب وهذا يعود الى العادات الغذائية للشعوب. واستدرك قائلا إن الاشكال لا يكمن في استهلاك مثل هذه اللحوم بل في ترويجها على انها لحوم ابقار أو خرفان فيشتريها المواطن بسعر أعلى ويستهلكها بينما في عاداتنا الغذائية نرفضها رفضا قاطعا. ونشمئز ايما اشمئزاز عندما نتابع أخبارا بحجزها أو نفكر مجرد التفكير في أننا استهلكناها. د. حمزة ضي خبير دولي في العلاقات الإنسانية والأسرية فقدان الثقة في الأشخاص والأجهزة قال الدكتور حمزة ضي خبير دولي في العلاقات الانسانية والاسرية إن :» الغش في البيع والشراء أصبح منتشرا في أسواقنا ومحلاتنا الغذائية. إذ تعج هذه الأخيرة بعمليات الغش والتزوير للمنتجات الغذائية المعروضة. ولم يعد المواطن يستطيع التمييز بين الحقيقي والمغشوش لكثرته ودقته.ويكون الغش في البضاعة ذاتها وفي كميتها، أو وزنها أو مصدرها. ويتخذ هؤلاء طرقا عديدة لذلك. وأضاف أن هذا الأمر يحمل في طياته عديد النتائج الخطرة والمضار للفرد وللمجتمع ككل وقبل التطرق إلى أسباب ذلك نرى أن نتيجة ومضار هذا الفساد تنعكس أولا على من قام بالغش ومن ثم على ضحاياه أي الأشخاص الذين قام بغشهم. حيث يمثل الغش أحد أهم أسباب تدهور الحالة الاقتصادية للأسرة لان شراء منتجات فاسدة يثقل كاهل المواطن بشراء منتجات بديلة ومغايرة. ولا ننسى الأمراض التي تسببها هذه المنتجات وما يتبعها من علاج واقتناء للأدوية.. وأشار إلى أنه من النتائج الخطيرة لمثل هكذا ممارسات فقدان الثقة في كل بائع مرورا بباقي المجتمع الذي يعيش فيه ووصولا إلى فقدان الثقة في كل مؤسسات الدولة.. وبخصوص الأسباب قال نجد أن السبب الأكبر يرجع إلى التنشئة التربوية والأسرية التي ترعرع فيها كل من مارس ويمارس الغش والخداع والكذب على المواطنين. حيث أن أغلب الأسر تعتمد على منهج تربوي يهدم ولا يبني. إذ نجد أن أكثر الآباء والأمهات ينظرون الى التربية على أنها توفير مستلزمات مادية للطفل من ملابس وطعام وشراب فحسب. ولا يعون أن من مسببات وصول الفرد إلى الغش والخداع هي عدم تربيته على تحمل المسؤولية والجدية والانضباط واحترام الآخرين، وكذلك تنشئته في بيئة تشعره بالخوف والقلق المستمر من المستقبل، ضغطهم على أبنائهم منذ مزاولة الدراسة على تحصيل أعداد ومعدلات ضخمة حتى وإن كان بالغش وبالتالي يؤدي إلى شعور الطفل بالتحدي السلبي ورغبته في تجاوز القانون. وأفاد محدثنا ان تربية أبنائنا وإرشادهم إلى مراقبة النفس وتحمل المسؤولية حتى في غياب رقابة المعلم ورقابة الدولة، وتعليمهم تتبع سياسة المراحل في الوصول إلى النجاح الدائم وعدم البحث عن الربح السريع الذي عادة ما يكون وقتيا وتكون خسائره أكثر من أرباحه هي من أهم المقومات التربوية السليمة لتفادي كل تصرفات تكون نتائجها وخيمة على الأسرة والمجتمع. كما لا ننسى مسؤولية المجتمع المدني والدولة ولو أنها بنسبة أقل مقارنة بدور الأسرة. حيث تتمثل مسؤولية المجتمع المدني في كثرة الحملات التحسيسية لمثل هكذا ممارسات ودور الدولة يكون بالمراقبة المستمرة ومعاقبة وردع كل المتجاوزين والمخالفين.