لا شيء يبعث على الاطمئنان في تقرير البنك المركزي الاخير حول الوضعية الاقتصادية والمالية والاجتماعية بالبلاد. مؤشرات «حمراء» و ارقام سلبية تدفع الى القلق من الحاضر والى الخوف من المستقبل. فنسبة التضخم (ارتفاع الاسعار) مازالت في حدود 7 بالمائة، ونسبة النمو لم تتجاوز 1 فاصل 1 بالمائة في الثلاثي الاول من العام الجاري ( مقابل 2 فاصل 7 العام الماضي)، وشحّ السيولة النقدية لدى البنوك متواصل، والعجز التجاري بلغ 6 فاصل 3 مليار دينار بسبب عدم قدرة الصادرات على تغطية الواردات، والعجز الجاري ناهز 9 فاصل 3 من الناتج المحلي الاجمالي ( مقابل 6 فاصل 3 العام الماضي)، ومخزون العملة الصعبة لا يغطي سوى 74 يوم توريد ( مقابل 84 يوما العام الماضي). وضعية خطيرة للاقتصاد الوطني وللمالية العمومية ولا تقل عنها خطورة الوضعية المعيشية للمواطن بسبب ارتفاع الاسعار وتراجع مستوى الخدمات العمومية وغياب اسباب جودة الحياة . ومن الطبيعي ان تتحمل السلطة الحاكمة كل هذه « القتامة» الاقتصادية والمالية والاجتماعية وذلك بسبب غياب الإرادة السياسية لديها للانقاذ وبسبب انشغال الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة بالصراعات السياسوية الضيقة وبالتكالب على كراسي السلطة دون ادنى تفكير في الحلول الممكنة للانقاذ. فالدولة لا يمكنها التفصي من مسؤولية غياب الارادة السياسية القوية لديها لانقاذ قطاع الفسفاط ولاصلاح قطاع السياحة ولتنمية الصادرات وللحد من الواردات ولتنمية الاستثمار ولردع الفاسدين والمتلاعبين بالمال العام ... ولا يمكنها انكار ضعفها وهشاشتها امام المحتكرين والمضاربين المتلاعبين بقوت المواطن والمتسببين في ارتفاع الاسعار والتضخم والاقتصار فقط على الجباية والضرائب المنظمة وعلى الترفيع فيها من حين لآخر وعلى الاقتطاع من الاجور والمداخيل المنتظمة ... ولا يمكنها انكار ضعف تدخلها لردع المتهربين من دفع الضريبة الذين يحرمون ميزانية الدولة من موارد هامة... ولا يمكنها التفصي من مسؤولية ضعف محاربة التهريب والاقتصاد الموازي ورداءة خدمات المرفق العام... ولا يمكنها انكار عجزها عن اتباع سياسة تقشف حقيقية في النفقات العمومية في ظل حالة التسيب والفوضى والفساد والافلات من العقاب في الادارة وفي الهياكل العمومية وغياب ثقافة العمل.. والطبقة السياسية لا يمكنها انكار ضعف ادائها وتخليها عن دورها في ابتكار الحلول والمساهمة في الانقاذ والعناية الحقيقية بمشاغل المواطن لانها منهمكة في المناورات والصراعات فقط من اجل السلطة. لا يمكن تصور درجة الخطر القادم إذا ما تواصل الوضع على هذا النحو، ولا يمكن تصور ما قد يصيب المنظومة الاقتصادية ومنظومة المالية العمومية من مضار كبرى وما قد يحصل في قادم السنوات من احتقان اجتماعي وغضب شعبي وانفلات وتسيب ومن تواصل تراجع ثقافة العمل ومن مس بالسمعة الاقتصادية للبلاد في الخارج . اليوم وبعد اشتعال الأضواء الحمراء لم يبق امام حكّام المرحلة غير العمل في ما تبقى من فترة عهدتها الحالية على تنفيذ اجراءات عاجلة وصارمة تجاه كل اشكال التلاعب بالمال العام وتجاه تغول الفاسدين في الهياكل العمومية وتجاه المحتكرين المضاربين بالاسعار وتجاه كل اشكال التسيب والانفلات والافلات من العقاب.. وعلى الطبقة السياسية التي تستعد على قدم وساق للانتخابات القادمة ولتولي السلطة في ما بعد ان تتحلى اكثر ما يمكن بالمسؤولية الحقيقية في ابتكار حلول الانقاذ في قادم السنوات بعيدا عن المصالح الحزبية والشخصية الضيقة.. عدا ذلك، لا يمكن للوضع ان يتحسن ولا يمكن للانقاذ ان يتم وعندئذ سيكون الغرق جماعيا ولن يستثني احدا..