المظلمة التي تعرّض لها فريق الترجي الرياضي من قبل الاتحاد الافريقي لكرة القدم، والقاضية باعادة مباراته لحساب الدور النهائي لرابطة الأبطال، أوجدت حماسة كبيرة لدى مختلف فئات المجتمع التونسي في مظهر شبيه بهبّة وطنيّة جامعة دفاعا عن الحق الضائع في متاهة السمسرة والفساد الرياضي. صحيح أنّ قرارات الاتحاد الافريقي تجاوزت حدود الرياضة وقوانينها حينما مسَّت سمعة الوطن وجاهزيّة القوات الأمنية وسلامة المناخ العام في البلاد، ولكن في النهاية توحّدت جماهير كلّ الفرق الرياضية، وحتى غير المهتمين بالشأن الكروي، خلف جمعية الترجي في إدانة جماعيّة للقرار الظالم وبروح وطنية عالية جدا. كم تحتاجُ بلادنا لمثل هذه الهبّة الجماعيّة، فالعديد من المظالم مسلّطة على معيشنا اليومي وبلادنا باتت مُستباحة على أكثر من صعيد، ومكاسب أجيال الاستقلال وبناء الدولة في مهبّ المزايدات والتجاذبات والصراعات الجانبيّة، والنسيج المجتمعي مهدّد بالاستقطابات المختلفة والنعرات الجهويّة واجندات التقسيم والتخريب وتصفية الحسابات الضيّقة والمحدودة ومستقبل الأجيال القادمة محفوف بالكثير من المخاوف والمحاذير. كما أنّ بيانات البنك المركزي الأخيرة دقّت نواقيس الخطر فجلّ المؤشرات والمعطيات المالية سلبيَّة وفي تراجع ممّا يُضاعف من التحديات الاقتصاديّة والاجتماعيّة ويزيد في الضغوطات على الموازنات العامة للدولة وهي التي تتأهّب لضبط أولويات ميزانية السنة القادمة التي تبدو مليئة بالرهانات والاستحقاقات. لا ضير في ما وقع لفريق الترجي، ولا شكّ في أنّ ما ضاع حق وراءه طالب، ولكن وفي المحصلة فربّ ضارّة نافعة تُعيد العقل التونسي بصفة عامة إلى الجادّة وطريق الصواب واستثمار هذا الوجدان الشعبي العارم الذي كشفته مباراة كرة قدم لتفعيل مبادرات شجاعة وجريئة انتصارا للوحدة المجتمعيّة ودفاعا عن السيادة الوطنية واستحقاقات الدولة والمجتمع لفتح أفق جديد للتفاؤل بالمستقبل. نعم، لهبّة وطنية شامخة تمحي سنوات الخيبة وتقضي على كلّ نوازع الفتنة في بلادنا، بين الأحزاب وداخل الأطياف المختلفة للنخبة وفي كلّ جهات البلاد وبين مختلف فئاته وشرائحه، هبّة وطنيّة للإنقاذ وتعزيز المشتركات بين كلّ التونسيّين، وهي كثيرة لا حصر لها، وردم كلّ نوازع الشرّ والفتنة والانقسام ومعارك إضاعة الوقت وإهدار الجهد الوطني وطاقات البلاد الواسعة والممتدّة.