في مثل هذه الأيام من سنة 1981، وبعد سنوات من النشاط في كنف السريّة، خرجت «حركة الاتجاه الإسلامي» الى العلن ليتم الاعلان رسميا عن تأسيس أول حزب ذي مرجعية اسلامية في تونس. ومنذ تلك الفترة مرت الحركة بتقلبات عديدة. تونس - الشروق يوم 6 جوان 1981، تم الإعلان في مؤتمر صحفي عن تأسيس حركة «الاتجاه الاسلامي»، وبذلك أعلنت الحركة اول خروج لها الى العلن بعد سنوات من النشاط في إطار من السريّة. ومنذ ذلك التاريخ مرت الحركة بتقلبات عديدة تراوحت بين مواصلة النشاط دون الحصول على ترخيص قانوني من نظامي بورقيبة وبن علي والخضوع لمضايقات عديدة على امتداد 30 عاما الى حين حصولها على الترخيص القانوني في مارس 2011. ومع كل احتفال سنوي بالإعلان عن تأسيس النهضة، يتداول الملاحظون في تونس اسئلة عديدة لعل أهمها ما الذي تغير في الحركة في السنوات الأخيرة؟ وأي مستقبل سياسي لها في تونس في ظل التطورات الوطنية والإقليمية والدولية؟. فاعل سياسي بعد حصولها على التأشيرة القانونية في مارس 2011 نزلت حركة النهضة بكل ثقلها الى الساحة السياسية وأثبتت قدرات كبرى على إعادة التنظم وعلى تحقيق الانضباط الحزبي والسياسي داخلها. وهو ما مكنها من الفوز في انتخابات المجلس التأسيسي بأغلبية المقاعد وتولي السلطة بحكومة أولى ترأسها حمادي الجبالي ثم بحكومة ثانية ترأسها علي العريض. وفي انتخابات 2014 شاركت النهضة في الانتخابات التشريعية وفازت بالمرتبة الثانية بعد نداء تونس ودخلت معه في تحالف حكومي أول بحكومة ترأسها حبيب الصيد ثم في ائتلاف ثان ضمن حكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها يوسف الشاهد والمتواصلة إلى اليوم. ثم قفزت الى المرتبة الاولى في البرلمان بعد تراجع كتلة نداء تونس وهو ما جعلها تتبوأ مكانة بارزة في منظومة الحكم وفي السلطة عموما نظرا لأهمية دورها في البرلمان وتحولت بذلك الى فاعل سياسي هام في البلاد بفضل قدراتها الكبرى على المناورة وعلى استمالة ودّ المكونات السياسية الأخرى للدخول معها في تحالفات أو لتبادل الدعم السياسي. وفي الأثناء فازت النهضة بالمرتبة الاولى في الانتخابات البلدية سنة 2018، كما مرت علاقاتها مع الاطراف الفاعلة بعد تقلبات أبرزها تحالف قوي مع نداء تونس ومع مؤسسه الباجي قائد السبسي قبل ان يقع انهاؤه ثم دعم بقاء يوسف الشاهد على رأس الحكومة واعلان الدخول معه في «علاقة شراكة» في انتظار ما ستفرزه الفترة القادمة من تحالفات وتوافقات جديدة للحركة مع اقتراب موعد انتخابات 2019. المؤتمر العاشر في ماي 2016، نظمت النهضة مؤتمرها العاشر وتمت إعادة انتخاب راشد الغنوشي رئيسا للحركة. ويعتبر النهضويون هذا المؤتمر نقطة تحول هامة في تاريخ الحركة بالقول إن الحركة قررت فيه الفصل بين الدعوي والسياسي والتحول الى حزب مدني وهو ما بقي محل تشكيك الى اليوم لدى عديد المتابعين والمختصين في الشأن السياسي. فالنهضة مازالت تواجه باستمرار تهمة محاولة المس من مدنية الدولة ومن مكاسب الحرية والديمقراطية ومكاسب المرأة التي يعتبرها التونسيون من ثوابت دولة الاستقلال والجمهورية ولا يجوز المس بها ومازال بعض قيادييها يواجهون تهمة الميل الى التطبيق الصارم لتعاليم الشريعة الاسلامية وتهمة التسامح مع التشدد الديني.. حزب مدني؟ في المقابل تنفي النهضة ذلك وتقول انها تحولت فعلا الى حزب مدني يحاول الملاءمة بين قيم الإسلام وقيم الديمقراطية والحداثة والابتعاد تماما عن الإسلام السياسي وتقول ايضا انها عملت في السنوات الاخيرة على إبعاد بعض القياديين المحسوبين على التشدد عن واجهة الحركة وتحويلهم الى الصفوف الخلفية ومنعهم من التعبير عن أية مواقف رسمية باسم الحركة. لكن رغم ذلك تبقى الانتظارات كبيرة لدى التونسيين حول تأكيد مدنيّة الحركة بصفة نهائية وفصل العمل الدعوي والديني عن العمل السياسي بشكل واضح وصريح ومعلن. في الانتظار عموما يمكن القول إن النهضة تقف اليوم كواحد من ابرز الفاعلين السياسيين في البلاد في انتظار الاستحقاقات القادمة (انتخابات 2019) التي ستكون محرارا لقياس حقيقة موقعها في المشهد السياسي. وسيبقى للتقلبات الوطنية والاقليمية والدولية دور بارز في تحديد موقعها المستقبلي. فعلى الصعيد الداخلي، ورغم محافظة الحركة على موقع قوة، إلا ان التطورات الجديدة ذات العلاقة بتوجه العائلة الوسطية نحو الالتفاف والتحالف قد يُبعدها نسبيا عن دائرة التحالفات المنتظرة قبل وبعد انتخابات 2019. وعلى الصعيد الاقليمي، مازالت تسود تقلبات عديدة في بعض الدول تهُمُّ بالخصوص حلفاءها وداعميها. وهو ما ينطبق أيضا على الموقف الدولي من كل ما له علاقة بالنهضة على غرار الاسلام السياسي وحركة الاخوان المسلمين، والذي لم يتضح بعد بشكل نهائي. 10 مؤتمرات المؤتمر 1 : صيف 1979 تونس، منوبة المؤتمر 2 : أفريل 1981 تونس، سوسة المؤتمر 3 : خريف 1984 تونس، سليمان المؤتمر 4 : ديسمبر 1986 تونس، المنزه المؤتمر 5: مارس 1988 تونس، صفاقس المؤتمر 6 :ديسمبر 1995 سويسرا المؤتمر 7 :أفريل 2001 هولندا المؤتمر 8 :ماي2007 لندن المؤتمر 9 :جويلية 2012 تونس العاصمة - المؤتمر 10: ماي 2016 تونس العاصمة محطات في تاريخ الحركة - في موفى الستينيات وبداية السبعينيات انطلق نشاط التيار الاسلامي في تونس عندما قرر راشد الغنوشي وعبدالفتاح مورو والمنصف بن سالم تكوين أول جماعة اسلامية قبل ان يلتحق بهم آخرون على غرار صالح كركر وحبيب المكني وعلي العريّض. - نشطت الجماعة في البداية في السرية لكن نظام بورقيبة قابلها بشيء من الترحيب وسمح لهم في 1974 باصدار مجلة «المعرفة» لكن دون منح الحركة الترخيص. في اوت 1979 اقامت الجماعة بشكل سري المؤتمر المؤسس لها وتمت فيه المصادقة على قانونها الأساسي. يومي 9 و10 أفريل 1981 أقامت الجماعة مؤتمرها الثاني (بشكل سري أيضا) في مدينة سوسة والذي اقر ضرورة اللجوء الى العمل العلني وتغيير الاسم ليصبح «حركة الاتجاه الاسلامي». يوم 6 جوان 1981 اعلن راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو في مؤتمر صحفي عن تأسيس الحركة، وفي اليوم نفسه تقدمّت الحركة بطلب للحصول على ترخيص قانوني لكن وزارة الداخلية لم ترد عليه لا بالسلب ولا بالايجاب. بعد ذلك واجهت الحركة تهما عديدة انتهت بايقاف كل من الغنوشي ومورو وسجنهما قبل أن يتم الافراج عنهما بعد حوالي 3 سنوات. وتواصل تحسن العلاقة بالنظام وتبلور بالسماح بانشاء الاتحاد العام التونسي للطلبة القريب من الحركة سنة 1985 بمساع من الوزير الاول محمد مزالي. في جويلية 1986 وبعد تنحية محمد مزالي بدت بوادر الصدام بين الاتجاه الإسلامي والسلطات تتفجر من جديد ، فلجأ بعض القياديين الى الخارج والقي القبض على الغنوشي في مارس 1987 والحكم عليه بالأشغال الشاقة مدى الحياة واتهام الحكومة للحركة بالتورط في التفجيرات التي استهدفت 4 نزل في جهة الساحل سنة 1986. حين قدوم بن علي للسلطة افرج عن جل مساجين الحركة ما دفع بالحركة في 7 نوفمبر 1988 إلى الامضاء على وثيقة الميثاق الوطني التي دعا إليها بن علي كقاعدة لتنظيم العمل السياسي في البلاد. سُمح للحركة بالمشاركة في الانتخابات التشريعية في أفريل 1989 ضمن قائمات مستقلة القائمات البنفسجية (بما انها لم تحصل على التاشيرة بعد) وتحصلت وفق النتائج المعلنة على حوالي 13 % من الأصوات. في فيفري 1989 غيرت الحركة اسمها الى «حركة النهضة» للتقيد بقانون الأحزاب الذي يمنع اقامة أحزاب على أساس ديني لكن دون ان تحصل على التاشيرة. في ماي 1989 غادر راشد الغنوشي البلاد وتواصل نشاط الحركة محظورا بشكل كلي داخل التراب التونسي واكتفى قياديوها بنشاطات في الخارج. منذ 1991 تعكرت العلاقة تماما مع النظام فعادت الملاحقات الامنية تجاه الحركة ووُجهت لها تهمة التورط في الاعتداء على مقر شعبة التجمع الدستوري الديمقراطي في باب سويقة في 17 فيفري 1991. في فيفري 2011، عاد راشد الغنوشي من الخارج وأصبح مجددا رئيسا للحركة بعد حصولها على التأشيرة القانونية في مارس 2011 وتم تعيين عبد الفتاح مورو نائبا له وحمادي الجبالي امينا عاما. فازت الحركة في انتخابات المجلس التاسيسي باغلبية المقاعد ودخلت في ائتلاف حاكم مع حزبي المؤتمر والتكتل تحت مسمى الترويكا منذ موفى 2011 ( حكومة اولى ترأسها حمادي الجبالي الى مارس 2013 ثم حكومة ثانية ترأسها علي العريض الى جانفي 2014). شاركت النهضة في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 وفازت ب69 مقعدا في البرلمان وشاركت في حكومتي حبيب الصيد ويوسف الشاهد. وكانت النهضة قد رفضت تقديم مترشح منها للانتخابات الرئاسية . في ماي 2016 عقدت الحركة مؤتمرها العاشر الذي أعلنت فيه الفصل بين النشاط الدعوي الديني والنشاط السياسي.