يعتبر عدد الأحزاب التي تشكلت بعد الثورة "المباركة " سابقة لم يعرفها تاريخ تونس، ورغم هذا الكم الهائل من الأحزاب والتكتلات نجد غيابا كاملا لبرامج تنموية واضحة وحتى ان وجدت فهي متشابهة أو ضعيفة وغير ذي جدوى. ليس من واجب المواطن ان ينخرط في حزب من هاته الأحزاب، ولا يمكن لأي منها ان تفرض عليه ان يمارس السياسة على قاعدة مبرمجة سلفاً، ان الشعب هو مصدر السلطة، سواء انتمى للأحزاب أو تمسك بالمواطنة ليعطي صوته لمن يستحق، ان القاعدة هو الوطن، والمواطن هو مصدر العمل السياسي والحزبي. كل الأحزاب في هاته الفترة تستعد الى الانتخابات وفي كل انتخابات تنال بصغيرها وكبيرها، اهتماما استثنائيا من قبل وسائل الإعلام، مرة لأنها تملكها، وآخرى كون الإعلام ركز على إثارة الجدليات والتناقضات، واستنساخ برامج الإثارة الأكثر مشاهدة، وفي هذه المرة منها المدروس لتشويه العملية السياسية، وآخر غبي تحت سيطرة حزبية، وتنسى أهمية مشاركة المواطن في بناء الدولة. والسؤال المطروح ما سبب هذا العدد الكبير من الاحزاب والأوضاع الخدمية والاقتصادية والتعليمية وغيرها تزداد ترديا يوما بعد يوم ألا يدل ذلك على ان هنالك أهداف أخرى غير معلنة لهذه الأحزاب وما تشهده البلديات من فشل في خدمة المواطن وحمى الاستقالات الا دليل على فشل هاته الاحزاب؟ والسؤال الثاني لماذا لم تنجح الأحزاب منذ ثمانية سنوات في إسعاد التونسيين وتحقيق أحلامهم؟، تُرى هل أحزابنا مصابة بزكام حاد تمنعها من أداء واجبها السياسي على النحو الأمثل؟، وإذا كان جوابنا بالإيجاب، فما هو نوع هذا الزكام، وما هي تأثيراته على الوضع السياسي في تونس، وهل هناك أمل في صنع لقاح لحمايتها، لكي ننجح جميعا في بناء دولة الحلم، دولة المواطن، دولة المؤسسات التي تحمي حقوق الجميع وتكفلها، مقابل أداء الواجبات المطلوبة؟ ان دولة مثل كوريا الجنوبية تعلمنا أن الإرادة والتخطيط هما وحدهما من يصنعان التغيير، فالكوريتين معا الشمالية والجنوبية لهما نفس التاريخ وتحتضنهما نفس الأرض ويتنفسان نفس الثقافة، بيد أن واحدة منهما لازالت ترزح تحت نير الدكتاتورية والتخلف، بينما الأخرى حققت معجزة لقد كانت إلى عهد قريب قبل نصف قرن، أكثر تخلفا ودكتاتورية من تونس آنذاك، لكنها استطاعت بإرادة صلبة وعمل كاد شق طريقها نحو الرفاهة والرقي فهل فكر قادة احزابنا بما ستؤول إليه الأمور بعد أن يئس المواطن منهم، وبعد أن ذهبت وعودهم.