أحيانا أشعر بحيرة كبيرة في تحديد هوية كتاب أعثر عليه بين أكوام الكتب التي صدرت في السنوات الأخيرة و(هاشتاغ أربعطاش) واحد من النصوص التي حيرتني بالفعل لأنه يغوص في الجرأة والإيروتيكية التي قد تفوق النصوص الأدبية الصادرة في العالم الغربي. والحال أن في العالم العربي ما زالت قيود كثيرة تكبّل هذا النوع من الأدب الذي يُنظر إليه على أنه أدب سوقي هدفه إثارة الغرائز. ونتناسى أن تراثنا العربي كان غنيّا بالكتب الجنسية التي لم تكن تتحرج من طرح أشد المواضيع جرأة. والسؤال الذي يستفزني أكثر وقد يستفز بعض الكتاب أيضا : لماذا الإصرارعلى توظيف الجنس في الكتابات الأدبية وخاصة السردية بتلك الفظاظة والجرأة؟ وأنا أعرف مسبقا أنهم لن يكونوا أكثر جرأة في توظيف الجنس مما قد أكون قد قرأت عنه في كتب التراث العربي؟. ولعل العديد يعلمون أن هذا التراث لم يخل على اختلافه من نصوص ودراسات عن "الجنس" وما جاوره حتى أن هذا الأخير كان ولا يزال "التابو" الأكثر تناولا في أدبياتنا. والأكيد أن تراثنا يحفظ كتبا قد توصف وفق معايير الزمن الراهن ب"الإيروتيكية". وهي في الحقيقة أكثر جرأة مما يكتب اليوم. و(هاشتاغ أربعطاش) للكاتبة والإعلامية إيمان فجاري نص يمكن ادراجه ضمن النصوص السيرذاتية المعطرة بشيء من الإيروتيكية والجرأة. وداد وهنيدة من جهة وعيسى وروني ومعز من الجهة الثانية وكلهم شخوص ترتكز عليهم أحداث هذا النص الذي جزأته الكاتبة الى فصول مختلفة اختارت لها من العناوين فورة الأدرينالين وفخاخ الشهوة والإغماء ثم الإنفجار لتنتهي بالغرفة أربعطاش. ومن هذه الغرفة يبدأ الغوص في الذات الأخرى والكشف عن حقيقة هذه الشخوص. مجموعة من القصاصات سجلت فيها وداد مذكراتها وهي أستاذة الفرنسية التي تعرفت على عيسى أستاذ هوأيضا وزميلها من أيام الجامعة. أحبته وأحبها وجمعهما فراش واحد في العديد من المناسبات. في أول زيارتها الى باريس عاصمة الأضواء تعرفت وداد على هنيدة هذه الريفية الهاربة من الفقر والخصاصة والحرمان الى صخب العاصمة أين تعرفت على ابراهيم ابن تاجر السيارات الغني الذي بعد أن أغرقها في العز والبحبوحة هاجرته لتحرق الى ايطاليا وترتمي في أحضان روني الذي تزوجها معلنة فرارها نهائيا من الوطن الذي لا يذكرها الا بالتعاسة والفقر . وداد ألحت على صديقتها هنيدة حتى تعود الى أرض الوطن بعد أن أكدت لها بأن الوضع تغير في تونس. وهناك استقرتا وتعرفتا على معز الذي أصبح التعويض العاطفي والبشري الوحيد لحياة هنيدة التي عادت الى وطن ظنت أنه تغير فوجدته أسوأ مما تركته. في الأثناء وداد هذه المرأة التي تبتسم بصخب وتشاكس بصخب وتتجادل بصخب وتدخن بصخب وتمارس الجنس بصخب تتعرض الى صدمة نفسية معقدة وقد اشترك جميع الأطباء الذين زارتهم في أنها عاشت ضغطا داخليا مبالغا فيه وأنها بسبب موجات الهستيريا التي كانت تغرق فيها توقف جسدها عن المقاومة مما استوجب تدخل الدماغ كي يوقف حالة الضغط وحدث ما لم يكن تنتظره... بعد شلل في نصفها الأسفل استمر لمدة طويلة وأقعدها فوق كرسي متحرك عادت الى حياتها الطبيعية وتخلت عن الكرسي في وقت غابت فيه صديقتها المقربة هنيدة كما غاب حبيبها الوحيد عيسى الذي تعلق بامرأة أخرى. وفي الغرفة أربعطاش من أحدى المصحات تختفي وداد وتترك مذكراتها التي تحولت الى هذا النص الذي هوفي الحقيقة رواية بامتياز. وباعتبار أن الرواية فضاء مفتوح للكشف الإنساني والغوص بعمق في نفسيات الشخصيات فإن التحولات التي حدثت بتأثير الجنس في حياتهم تعكس وجهة نظر الكاتبة ومدى تحقيقها للرؤية التي تتبناها. هذه الروية تمتلئ بمشاهد إباحية.المبالغة في وصفها بكل جرأة. والكاتبة ايمان فجاري كانت لها الجراة الكاملة في تناول واقتحام هذا الموضوع في حين أن الوعي الثقافي لم يتطور بعد ليدرك أن الأدب مساحة حرة يمكن أن نتناول فيها كل الممنوعات بشرط واحد هوأن الأدب فن وجمالية قبل كل شيء وهذا يعني أن استهداف الجنس لمجرد الاستهداف يعد عملا لا يضيف شيئا للأدب كقيمة جمالية وفنية بالأساس. بل سيكون محاولة للشهرة أولفت الانتباه. ولا أعتقد أن الكاتبة وهي اعلامية بالأساس قد تعتبر الجنس مادة سهلة للشهرة. بل أظنها تبحث من خلال استعمال الجنس بهذه الجرأة عن ردة الفعل التي يحدثها نص كهذا في قاعدة أصولية جاهزة للتحريم والتكفير والتخوين والاتهامات المعروفة. وهذا ما يطرح إشكالية أخرى وهي من أين أتى التحفظ والمنع والتحريم والتكفير عند تناول موضوع الجنس في السرد باللغة العربية في هذا الوقت بالذات. وفي اعتقادي أن تسييس الفقه في عصور الانحطاط والمد الاسلاموي عبر التيارات الدينية على اختلاف مسمياتها في السنوات الأخيرة أفسد الكثير من الأشياء بانغلاقه وفهمه السطحي والساذج للدين. والأكيد أن اعتبار الجنس "تابو" يشكل المشكلة الكبرى التي تواجهها الرواية العربية. وهذا يعني أننا أمام تحويل ما هوطبيعي "أي الجنس أوالحب " إلى "تابو"، وبالتالي تحويل الكتابة عنه إلى انجاز أوتكسير للمحرم والمحظور. وعدم الكتابة بناء على دواع متأتية من الحرص على عدم "خدش الحياء العام" هذه العبارة الفضفاضة التي يندرج تحتها ماهب ودب عربياً إلى فعل رجعي. وبالتالي التخلي عن "الجرأة". والملاحظ أن في السنوات الأخيرة هناك عدة محاولات لكسر هذا "التابو" في الكتابة السردية وإن لم تصل حتى الآن إلى المستوى المطلوب، لكنها مع ذلك تبقى محاولات جديرة بذكرها والإشادة بها. ولعل "هشتاغ أربعطاش" من أبرز هذه المحاولات التي تغوص في الأنا الأخرى وتكشف لنا ما هوطبيعي بكل جرأة.