تونس (الشروق) في خضم تسارع وتيرة هجرة الأدمغة تغفل الحكومة واتحاد الشغل عن استحقاق مصيري يهدّد بتفقير الدولة هو الوضعية المادية والاجتماعية لكبار إطارات الدولة وأساسا سلك المديرين العامين والرؤساء المديرين العامين، بل إنه من أغرب المفارقات القائمة اليوم هو انتظام الزيادة في أجور سائر الشغالين باستثناء الرؤساء المديرين العامين للمؤسسات والدواوين العمومية المجمّدة رواتبهم منذ نحو ستّ سنوات في تزامن مع تصاعد وتيرة حرق الأعصاب حيث يطارد هؤلاء في كل لحظة معادلات مستحيلة للحفاظ على انتظام خدمات المرفق العام خاصة في خضم تعمّق الأزمة المالية للقطاع العمومية، ثم إن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح تجاه هذه المفارقة: أليس لهؤلاء التزامات حياتية كسائر المواطنين تزداد كلفتها في كل يوم في خضم ارتفاع مستويات التضخم وتقدم مسار سلعنة التعليم والصحّة. ألم تتساءل الحكومة وساحة محمد علي الى متى سيتحمل هؤلاء ضغوطات المرفق العام وحياتهم الخاصة والحال أن أغلبهم سيحصلون على عشرات أضعاف ما يتقاضونه من الدولة لو قبلوا مبدأ العمل في القطاع الخاص أو خارج تونس حيث تزداد مغريات المؤسسات الخاصة والعمومية على حدّ سواء حيث انتقل مديرون عامون ورؤساء مديرون عامون بمثل خطتهم الى دواوين وزارية في بلدان الخليج وغيرها. أليس لزاما على اتحاد الشغل أن يتخطّى المقاربات الشعبوية التي تحول دون إرساء قواعد تأجير خاصة لكبار إطارات الدولة باعتبارهم ملزمين قانونا بالبقاء على ذمة المرفق العام 24 على 24 ساعة خلافا لسائر الموظفين، بل إن غياب الخصوصية في التعاطي مع الأوضاع المادية لكبار إطارات الدولة لم يحدث حتى في ذروة شيوعية الاتحاد السوفياتي التي لم تحل دون تشييد «مدينة النجوم» في موسكو لإيواء سائر النخب بما في ذلك الإدارية وتمكينها من ظروف حياتية خاصة فيها كل مقومات الرفاه. وبالنتيجة فإن أكبر خطر يتهدّد تونس اليوم هو شدّ كبار إطارات الدولة الذين كان لهم دور محوري في صون تونس من السقوط المدوي بتأمين انتظام المرافق العامة مثل الحافلة والقطار والطائرة والماء والكهرباء والعُملة الصعبة والأمن القومي والرقابة بكل |شكالها، وهو ما يقتضي إتمام ذاك الاستحقاق الذي كان الرئيس بن علي على وشك تنفيذه وهو مضاعفة أجور الإطارات العليا بالتوازي مع إزالة «الفضيحة» وهي منحة المشاركة في الاجتماعات والتظاهرات بالخارج التي لا تتعدّى 50 يورو في اليوم؟