تونس الشروق: عاشت تونس أمس الأول حالة من الارتباك والتوتر غير مسبوقة بعد بلاغ صدر عن رئاسة الجمهورية حول صحة الرئيس بالتزامن مع العمليات الإرهابية. مثلت العمليات الإرهابية التي عاشتها تونس أمس الأول محور اهتمام الناس لكن كان التعامل معها بشكل عرف عن التونسيين وهو غياب الخوف والقدرة على التماسك في انتظار آخر الاخبار بل ان شارع الحبيب بورقيبة عاد الى حياته العادية بعد أقل من ساعة من وقوع العمليات. وبالرغم من ذلك السلوك والتطور الذي اكتسبه التونسي من خلال حربه مع الارهاب وكيف انه أصبح لا يسارع الى مغادرة الشارع او المنطقة التي جدت بها عملية ارهابية وسرعان ما يتناساها ليعود الى حياته العادية الا ان ما قامت به مصالح الاتصال في رئاسة الجمهورية أبت الا ان تجعل التونسي يعيش الخوف والشك. لم يكن الشك في قدرة قواتنا الأمنية او العسكرية كما لم يكن الخوف من العمليات الإرهابية لانه كما سبق وقلنا فان الحياة عادت الى شكلها الطبيعي بعد اقل من ساعة لكن الخوف دفعنا اليه بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية حول صحة الرئيس. لقد أقر الجميع بوجود خطإ اتصالي حمل في طياته الكثير ففي الوقت الذي لم يمر وقت طويل على وقوع العمليات الارهابية واجهزة الدولة تعمل على اظهار التماسك والمواطن يحرص على اظهار التفاؤل والثقة يأتي مثل ذلك البلاغ ببساطة ودون اي دراسة لتوقيته او الاثر الذي قد يخلفه أو ما قد تذهب اليه اذهان الكثير من شك في حقيقة ما يحمله من معطيات. كان ذلك الخطأ الاول والرئيسي وهو عدم قدرة مصالح الاتصال في رئاسة الجمهورية او القائمين على اصدار ذلك البلاغ على تقييم دقة الوضع ومدى خطورة الحديث عن صحة رئيس الجمهورية في يوم يحتاج فيه التونسيون جميعا ومؤسسات الدولة أكثر الى التماسك والتقليل من أثر العمليات الارهابية التي وقعت او التي يمكن ان تحدث. وبالنسبة للخطإ الثاني وكان خطيرا أيضا وهو العبارة التي وردت في البلاغ والتي تقول «وعكة صحيّة حادة» ومن هنا فتح باب التاويل والقراءات المختلفة للوضع الصحي لرئيس الجمهورية فعندما تقول رئاسة الجمهورية «وعكة حادة» يصبح من حق البعض اعتبارها مقدمة لاعلان أكثر خطورة لا قدر الله في حين كان من الممكن ومن الطبيعي ان يكتفي البلاغ وان تم الاتفاق على إصداره أصلا في ذلك الظرف الدقيق يكتفي بالإشارة الى وعكة صحية. وبصدور ذلك البلاغ انطلقت التاويلات وتلتها الشائعات وأدخلت البلاد في حالة من الغموض والترقب والخوف من المجهول، وما زاد من دقة الوضع عدم قدرة مصالح الاتصال في رئاسة الجمهورية على اصلاح الخطإ في الوقت المناسب وترك الباب مفتوحا لمروجي الاشاعات في الداخل وفي الخارج. لقد تمكنت مصالح رئاسة الجمهورية المختصة في الاتصال من القيام بما عجزت عنه العمليات الارهابية فالمواطن الذي لم تخفه تلك العمليات ولم يستطع الإرهابيون ان يدخلوه في حالة من الشك وتجاهلهم بكل بساطة لكن دخل في تلك الحالة بعد ذلك البلاغ. لقد كان تاثيره كبيرا في عامة الناس وحتى في النخبة السياسية والمدنية ولاحظنا جميعا حالة الارتباك حتى في أروقة مجلس نواب الشعب وبين أعضاء الحكومة وصلب الأحزاب ليس الخوف من الفراغ لان تونس لها مؤسساتها الدستورية لكن الخوف من الغموض الذي أحاط بمرض الرئيس وببلاغ الرئاسة وبمدى قدرة مصالح رئاسة الجمهورية على التحرك في الفترات الصعبة وحسن تقدير الوضع العام الوطني والاقليمي والدولي.