تونس (الشروق) «حمة الهمامي يشكل إعاقة للجبهة» من وجهة نظر الوطد الموحد، وأبناء الوطد ومساندوهم يشكلون إعاقة وفق ما يؤمن به بقية مكونات الجبهة... ما حدث مؤخرا في باجة يؤكد استحالة لم شمل الجبهويين فأي مصير للجبهة وأي حظ لها في الانتخابات القادمة؟ «يؤسفنا أن نسجل بكل مرارة وألم حقيقة انتهاء مرحلة مهمة من النضال السياسي التقدمي المشترك وذلك بانتهاء الجبهة الشعبية بالصيغة التي تأسست بها والتوازنات التي قامت عليها والأفاق التي رسمت لها وحتى بالمعاني التي انطوت عليها أرضيتها السياسية...». لم يكد حزب الطليعة ينتهي من تقديم شهادته على أهله في الجبهة الشعبية حتى جاءت واقعة باجة التي أسقطت أي أمل في إصلاح ذات البين بين الجبهويين. ففي المدينة التي شهدت آخر اجتماع شعبي للعضو المؤسس في الجبهة الشهيد شكري بلعيد، اعتبر شق من القياديين الجبهويين بقيادة الوطد الموحد أن الجبهة «تشهد اليوم انطلاقة حقيقية» دون الشق الآخر وأن حمة الهمامي لم يعد ناطقها الرسمي بل ناطقا باسم أربعة أحزاب فقط منها وأنه «يمثل إعاقة للجبهة» وفق تعبير خصمه «الوطدي» منجي الرحوي. لكن الشق الثاني من الجبهة رد على اجتماع خصومه باجتماع معاكس في مجاز الباب وببيانات طعن عبرها في شرعية انتمائهم للجبهة وعقد الاجتماعات باسمها. «المالكون الحقيقيون» الجبهة ستكون أفضل عند تخلصها من إعاقتها (حمة الهمامي) وإعادتها إلى «مالكيها الحقيقيين» وفق تقدير الوطد الموحد وأتباعه، و»ستعود أرقى وأكثر صلابة في نسختها الرابعة» بعد انسحاب الوطد الموحد ورابطة اليسار العمالي» حسب ما صرح به زعيم حزب العمال حمة الهمامي خلال ندوة صحفية عقدها قبل أيام. ما يهمنا أولا في هذا كله أن الجبهة الشعبية لم تعد تتسع إلى جميع رفاق الأمس فإما أن يستأثر بها حزب العمال ومن تحالف معه من بقية المكونات (أهمها التيار الشعبي) وإما أن يفوز بها الوطد الموحد ومن يقتنع معه بأنهم «المالكون الحقيقيون» دون حمة وأنصاره ما يحيلنا إلى ثلاث فرضيات أخطرها أن لايتمسك كل شق بحقه في «الباتيندة» أسوة بما حدث بين شقي نداء تونس. في هذه الحالة سيكون هناك نزاع سياسي حزبي وآخر شعبي قاعدي وثالث قانوني حول الأهلية القانونية قد يطول فيها الخلاف إلى الحد الذي يحرم فيه على الجبهة بشقيها خوض الانتخابات القادمة فتكون الكارثة. لم تعد بديلا قد يتم تفادي هذه النهاية المأساوية بانسحاب أحد الشقين طوعا أو كرها لكن الجبهة لن تعود إلى قوتها النسبية السابقة بل ستواصل مشوارها بنصف قوتها على فرضية تساوي الشقين من حيث القوة. الخطير في الأمر أن نصف القوة السابقة غير مضمون لأن الجبهة استفادت خلال الانتخابات التشريعية الماضية من تمثيلها لشق واسع من اليسار التونسي بما فيها بعض التيارات القومية واستفادت أكثر من جعل نفسها بديلا للثنائي الأقوى سابقا وهما حركة النهضة «الرجعية» وفق خطاب الجبهة وحركة نداء تونس «الانتهازي» حسب وصفها له. اليوم لا يمكن للجبهة ولو اجتمعت أن تكون بديلا ثالثا ولا رابعا لمنظومة الحكم بل قد تخوض حربا وجوديا قاسية ومرهقة لمجرد التمثيل البرلماني في ظل عتبة ال3 بالمائة، ما يعني أن تكون نتائجها كارثية إذا خاضت الانتخابات بشق واحد دون الآخر. سواء أكان الطرف المنسحب شق الوطد وأتباعه أو حزب العمال وأنصاره فإن زمن الجبهة الشعبية قد ولى وأن حاضرها ومستقبلها لن يكونا في جميع الحالات والفرضيات أفضل من ماضيها. الجبهة لم تطور نفسها ولن تحافظ على قوتها النسبية.. هذا ما جناه عليها أبناؤها دون أن تجني على أحد.