«الإعلام الأجنبي يريد أن يدمر تونس»، «الإعلام الأجنبي يخوض حربا ضد الشعب التونسي»، «الإعلام الأجنبي لا يطمح إلا إلى بث البلبلة في بلادنا»… هذا موقف الساسة التونسيين منه ولكن هل إن كل ما يقال عنه صحيح؟ أليس في الأمر مبالغة؟. تونس «الشروق»: «وزارة الخارجية ستتخذ الإجراءات اللازمة بخصوص الحادثة (حادثة نشر أخبار زائفة حول وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي) حسب ما صرحت به الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش أمس «شمس آف آم». والنيابة العمومية ستتخذ بدورها الإجراءات التي تراها مناسة. هذه الحادثة كانت أقضت مضجع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ودفعته إلى القول إن وسائل إعلام أجنبية مارست ما أسماه ب»نوع من الحرب على الرأي العام التونسي» في إطار «حرب إشاعات» قبل أن يوضح في مداخلة له على أمواج «موزاييك» أن ‹›هذه الحرب الإعلامية تهدف إلى إحداث اضطراب في تونس والإخلال بالأمن... إذ أن عددا من وسائل الإعلام الاجنبية والخليجية شنّت على تونس حربا إعلامية حقيقية لإحداث بلبلة››. أغلب السياسيين التونسيين تحدثوا عن مؤامرة ضد تونس قام بها الإعلام الأجنبي وشق كبير منهم وجهوا التهمة إلى قناة العربية ولكن هل يمكن الاطمئنان فعلا لنظرية المؤامرة؟. حقائق هناك جملة من الحقائق لا يمكن من باب الأمانة والحياد أن نغفل عنها أولها أن الحملة ضد الإعلام الخليجي موجهة أساسا نحو قناة العربية التي أشاعت مثلها مثل قناة النهار الجزائرية خبر وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي وانفردت عن الثانية بالقول إن رئيس الحكومة في طريقه إلى قصر رئاسة الجمهورية بقرطاج بما يوحي أنه عقد العزم على الحلول محل الباجي والحال أنه مازال حيا يرزق. الحقيقة الثانية أن قناة العربية استقت الخبر من مراسلتها التونسية والمقيمة بتونس ما يعني أن الإساءة إلى تونس على فرضية التسليم بصحتها بدرت عن جهة تونس وإن كانت عبر وسيلة إعلام أجنبية. الحقيقة الثالثة أن هناك حربا حول السبق الصحفي وأن هناك تفاوتا بين الإعلاميين من حيث الحرفية بما يسهل وقوع البعض منهم في الخطإ. الحقيقة الرابعة أن قناة العربية اعتذرت عن «الإساءة» التي اعتبرتها غير مقصودة وبادرت إلى إيقاف مراسلتها التونسية عن العمل فيما أسرت المراسلة بأنها نقلت الخبر عن «مصدر موثوق». وهذ المصدر الموثوق قد يوقع الإعلاميين في الخطإ سواء أكان عن حسن نية أو سوئها. مقاييس غير موضوعية ما يهمنا أن البعض اعتمد خطأ من قناة واحدة معلومة ليتحدث عن«حرب إعلامية خليجية» وعن مؤامرة تقودها الإمارات ضد تونس والحال أن هناك قناة تلفزية جزائرية وقعت في الخطإ نفسه دون أن تنال الحظ ذاته من الاتهامات ودون أن يتحدث أحدعن إعلام مغاربي موجه ولا عن مؤامرة جزائرية ضد تونس وشعبها. التفسير يقودنا إلى حقيقة خامسة فالأطراف التي تحدثت عن المؤامرة الإماراتية هي التي تعادي النظام الإماراتي فيما أمسكت جميع الأطراف التونسية عن اتهام الجزائر لأننا لا نكاد نعثر على طرف تونسي واحد يعاديها ما يعني في النهاية أن الاتهام والحديث عن الحرب الإعلامية المقصودة مبالغ فيهما من أطراف سياسية ما كان لها أن تتحدث مطلقا لو صدر الخطأ أو الإساءة عن وسيلة إعلام تتبع دولة حليفة. الحقيقة التي تقبل الشك أن مواقفنا من الإعلام الأجنبي يخضع إلى جملة من المقاييس الذاتية أهمها مدى القرب والمصلحة والتعاطف… علينا ألا ننسى أن نظام بن علي كان يوجه التهم ذاتها لقناة الجزيرة القطرية وأن بعض الجهات السياسية التونسية تواصل السير في المسلك ذاته فيما تعادي جهات أخرى كل وسيلة إعلام تمت بصلة إلى الإمارات أو السعودية من منطلق سياسي ايديولوجي مصلحي ولكن هل إن الإعلام الأجنبي بريء من الإساءة إلى تونس؟ حرب سياسية بأسلحة إعلامية لا يمكن استخلاص الحقائق الثابتة من حادثة عابرة كالإعلان عن وفاة رئيس دولة والحال أنه حي يرزق. هذه الحقائق يمكن أن نستخلصها بموضوعية من التوجه العام للوسيلة الإعلامية والشخصيات المنتقاة في الأحاديث الصحفية والتلفزية وطريقة التعاطي مع الخبر أو الحدث ونوعية الأخبار والأحداث التي يتم التغافل عن ذكرها… في هذا كله يمكننا أن نقف على حقائق مهمة فقناة العربية مثلا ما كانت لتفكر في السبق الصحفي لو كانت تخشى على تونس وشعبها ونظامها الحاكم ومسارها الديمقراطي. وبالمقابل كانت قناة الجزيرة سباقة في الإساءة إلى تونس بطرق شتى لعل أبرزها الشريط الوثائقي المتعلق بمعهد باستور مثلما تسابقت العديد من وسائل الإعلام الغربية على الإساءة إلى تونس وضرب سياحتها وتدمير اقتصادها بتقارير مبالغ في محتواها. ذنب تونس أنها تعيش تحولا ديمقراطيا وأنها باتت مسرحا لحرب استقطاب بين معسكرين خليجيين متعاديين يستخدم كل واحد منهما إعلامه بطريقة موجهة قصد تقوية طرف تونسي على طرف آخر ولو عبر تدمير تونس بأكملها. هو ذنب لا دخل لتونس فيه ولكن لنختم بحقيقة ثابتة فلولا استجابة الأطراف الحزبية التونسية لمعسكر دون آخر ودفاعها عن إعلامه ضد إعلام المعسكر الآخر لأوصدنا الباب أمام إساءات الإعلام الأجنبي ولتجنبنا حروبه وويلاته. إساءات مغربية مقصودة ينشغل ساستنا باتهام الإعلام الخليجي والحال أن هناك إساءات تأتينا من بلد مغاربي شقيق هو المغرب الأقصى الذي استفاد أكثر من غيره اقتصاديا من الثورة التونسية وهروب المستثمرين من تونس. هذا البلد الذي استقبلنا عاهله وتتبعناه في جولته الآمنة على قدميه داخل شوارع العاصمة وأسواقها لا يفوت فرصة دون الاساءة إلى تونس فبعد تعرض رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بن كيران لبلادنا واعتبارها: «بلد الأوساخ والاحتجاجات والإضرابات››، ظل الإعلام المغربي يشن حملات ضد تونس لا يمكن تبريرها إلا بالسعي إلى تلطيخ سمعته الأمنية خدمة للسياحة المغربية قبل أن يستغل مقابلة عابرة في كرة القدم بين الترجي والوداد ليسيء إلى أمنها وأمانها عله يحول وجهة السياح صوب المغرب. أقوال خالدة «اكذب حتى يصدقك الناس» هذه إحدى أشهر العبارات المنقولة عن وزير الإعلام الألماني النازي جوزيف غوبلز الذي قاد حرب الدعاية في سياسة هتلر. غوبلز الذي يعرفه البعض ب»صاحب نظرية الكذب» كان يقول: «إكذب ثم إكذب ثم إكذب حتى تصدقك الجماهير أو يعلق شيئ في ذهنها» وهو ما تسير عليه العديد من وسائل الإعلام الأجنبية وخاصة منها الخليجية في تعاطيها مع الشأن الداخلي التونسي.