أعلن المستشار السياسي السابق لرئيس حركة النهضة لطفي زيتون أمس بشكل مفاجئ تخليه عن مهمته تلك فما هي الأسباب التي دفعته إلى هذا الخيار؟ تونس- الشروق: مثل القيادي لطفي زيتون ظاهرة في حركة النهضة منذ بدية سنة 2013 حيث كان أول وزير من الحركة بل الوزير الوحيد الذي استقال لعدم موافقته على خيارات الحركة وحكومتها حينها ومنذ تلك اللحظة بدات تبرز شخصية زيتون القوية التي تفضل الانسحاب على مخالفة قناعاته. توالت المحطة منذ تلك الاستقالة التي جاءت قبل أيام قليلة من اغتيال الشهيد شكري بلعيد وكان لطفي زيتون الصوت التقدمي الاكثر بروزا في حركة النهضة حتى ان مواقفه كانت جلية من بعض المسائل التي كانت تعد محرمات في تلك الفترة في التيار السياسي الذي ينتمي اليه. فقد مثلت استقالته من الحكومة تعبيرا صريحا منه عن عدم اهتمامه بالمناصب وتقديم أفكاره على امتيازاته كما ان الاسباب التي دفعته حينها الى الاستقالة كانت بغاية الاهمية وأثر موقفه في الفترة اللاحقة في الموقف العام للحركة من مسالة المحاصصة الحزبية في الحكومة وكذلك من مسالة الإقصاء السياسي او العزل السياسي كما سمي حينها. اختار لطفي زيتون لنفسه منذ بداية 2013 وقبل الاغتيالات السياسية نهج الاعتدال وحاول النضال من اجل تبنيه من قبل الحركة كما كان تقدميا الى حد كبير في الوقت الذي كانت فيه مثل تلك الأفكار جريمة لدى البعض وفي الوقت الذي كانت فيه الخيمات الدعوية تنصب في كل حي والفكر المتشدد في اوجه حينها. لقد كان تبني تلك الأفكار ومن أحد المحسوبين على التيار الإسلامي في تونس عبارة عن عملية انتحارية وعشنا عملية الاعتداء على عبد الفتاح مورو في تلك الفترة، وبالرغم من ذلك واصل زيتون العمل على الاقناع بافكاره لكن التغيير للأسف لم يحصل الا بعد الاغتيالات السياسية للشهيدين محمد البراهمي وشكري بلعيد. وكان في مرحلة الحوار الوطني من بين أكثر القيادات تأثيرا في مواقف الحركة خاصة وانه المستشار السياسي لرئيسها وكان ممن دفعوا نحو التهدئة والتوافق وتبنى تلك الفكرة بشكل كامل وليس كخطة مرحلية دفعت إليها ظرفية الاغتيالات والتصعيد الذي نتج عنها. وبعد انتخابات 2014 كان زيتون من القيادات التي دافعت عن التوافق مع حركة نداء تونس في الحكم وواصل في دفاعه ذاك حتى بعد ان قررت حركة النهضة انهاء التوافق مع الباجي قائد السبسي وكانت مواقفه في تلك المرحلة متميزة مقارنة مع مواقف باقي القيادات حيث انه اختلف معهم بشكل كلي حيث انه في الوقت الذي تنظر فيه الحركة الى ما سمي ب"الاستقرار الحكومي" كان هو من المدافعين عن فكرة أنّ الاستقرار هو نتيجة التوافق مع الباجي وليس العكس. لقد دافع لطفي زيتون عن التوافق بالرغم من أنّ رأيه أصبح ضعيفا داخل الحركة وتمسك بموقفه وحاول الاقناع به وهو ما اثمر في وقت لاحق عريضة أمضاها عدد من قيادات الحركة تبنوا فيها موقف زيتون والداعي الى التراجع عن إنهاء التوافق مع الباجي والكف عن دعم الشاهد بشكل مطلق وكان ضد دعم النهضة المطلق للشاهد وفي احد مجالس الشورى قال ان الشاهد خطر على النهضة ويمكن أن يكون القضاء عليها من قبله. ولعل ما يؤكد أكثر أنّ مواقف زيتون ليست وليدة نزعة انتهازية او انهزامية هو الملفات التي اختار أن يخوض معارك داخلية حولها وتوقيتها ايضا حيث انه وفي الوقت الذي كان فيه التشدد هو المسيطر على الساحة سنة 2013 اختار السباحة عكس التيار دون خوف بل واستقال من الوزارة في عهد الترويكا، وفي 2018 وفي الوقت الذي كان الناس يتسابقون فيه لارضاء رئيس الحكومة اختار هو معارضته بعقلانية وبحجج قدمها حتى في مراسلاته إلى رئيس الحكومة وفي ملف الحريات فإنه كان في كثير من الأحيان أكثر تقدمية من التقدميين انفسهم مثلا في ملف العزل السياسي أو في ملف المساواة في الإرث. وعلى مستوى الممارسة السياسية فقد عارض زيتون مواقف حركته في عدة ملفات منها ملف المحكمة الدستورية وكان كما يقول هو محل سخرية في كثير من الاحيان ويقول: " قوبلت دعواتي المتكررة بانتخاب المحكمة والتخلي عن الشروط الإيديولوجية المجحفة بالرفض حينا وبالاستهزاء أحيانا ووصفت بسببها بالتغريد خارج السرب من بعض المتطرفين». ربما يعيب البعض على زيتون عدم إيمانه بالكواليس الداخلية واستعداده للدفاع عن مواقفه في العلن وعدم الاكتفاء بالدفاع عنها داخل الحركة لكن ما لا يفهمه الجميع هو ان زيتون من أخطر رجالات حركة النهضة سياسيا فهو من اقدرهم على حسن تقدير الموقف واتخاذ القرارات المناسبة التي تتماشى مع مبادئه وليس التي تتماشى مع الظرفية فحسب كما انه من القلائل الذين تمكنوا فعليا من خلع جلباب رجل الدين المتسيس وارتدى جبة رجل السياسة العصري القادر على الفصل بين قناعاته السياسية والمصلحة الشخصية او الحزبية. ربما فقد زيتون الكثير بسبب تمسكه بقناعاته الفكرية والسياسية وخاصة داخل حركته لكنه في المقابل راكم الكثير من المكاسب واهمها ثقة المتابعين له سواء في الساحة السياسية او المدنية فلا احد ينكر عليه اليوم تبنيه لقدر من الأخلاقيات في ممارسته للعمل السياسي كما لا ينكر عليه احد ايمانه الحقيقي بالدفاع عن الحريات العامة والفردية والتضحيات التي قدمها من أجل ذلك. في الختام يمكن ان نعتبر ان استقالة لطفي زيتون كانت لها مبررات عدة أهمها اليأس من تغير حال الحركة لكن الاكيد هو ان تلك الاستقالة تمثل خسارة للنهضة ولرئيس الحركة الذي كان يمكن ان يستفيد من الصورة التي كونها زيتون لنفسه في المشهد السياسي ومن قدراته الفكرية التي أثبتت قيمتها في مناسبات عدة. تضمّن مبررا للاستقالة.. آخر ما كتبه زيتون تهرول مختلف الكتل البرلمانية لانتخاب المحكمة الدستورية على عجل بعد الأحداث التي شهدتها البلاد والبرلمان اثر الوعكة الصحية التي ألمت بالسيد رئيس الجمهورية شفاه الله. لا نرجو لهذه المساعي المستعجلة الا كل نجاح.. منذ ثلاث سنوات وانا انبه الى خطورة غياب مؤسّسة المحكمة الدستورية باعتبارها عمود خيمة النظام السياسي الذي انتجه دستورا كان كاتبوه مهمومين بتحصيل أوسع ما يمكن من الأصوات كما كانوا مهمومين بتفكيك سلطة نظام رئاسوي انتج ديكتاتورية طويلة ولكنهم سقطوا في انتاج نظام هجين شبه شبه قسم السلطة التنفيذية وهمش السلطة التشريعية وحرمها من الموارد وصعب الى ما يقرب الاستحالة تكوين الهيئات المستقلة الضرورية لسير مرافق الدولة وعلى راسها المحكمة الدستورية. قوبلت دعواتي المتكررة بانتخاب المحكمة والتخلي عن الشروط الايديولوجية المجحفة بالرفض حينا وبالاستهزاء احيانا ووصفت بسببها بالتغريد خارج السرب من بعض المتطرفين. عندما صرحت قبل سنة ان اجراء الانتخابات في ظل غياب المحكمة الدستورية مدعاة للتشكيك في نزاهتها ناهيك عن خطر حدوث شغور في اعلى هرم السلطة تجد البلاد نفسها بسبب غياب هذه المحكمة في ضياع وفراغ دستوريين، وهذا ما حصل في يوم الخميس الماضي من مشهد برلماني يمثل وصمة عار في جبين الانتقال الديموقراطي والنموذج التونسي: رئيس مسجى في وضع صحي حرج ونخب حزبية تحاول استباق ملك الموت والالتفاف على الدستور للقفز على السلطة في اعلى هرمها. ولولا ان حفت الالطاف الخفية ببلادنا ووقفت مؤسسات الدولة العتيدة وعلى راسها المؤسسة العسكرية التي اشرفت على علاج وحماية رأس الدولة برئاسة رجل دولة متجرد من الانتماءات صديق للجميع أثبت مرة أخرى تجرده ووطنيته ورصانته، فالمحكمة الدستورية هي العمود الفقري للنظام السياسي وهي تقوم حسب الدستور على: 1. مراقبة دستورية تعديل الدستور، الفصل 12. 2. مراقبة دستورية المعاهدات، الفصل 120. 3. مراقبة دستوريّة مشاريع القوانين، الفصل 120. 4. مراقبة دستورية القوانين، الفصل 120. 5. مراقبة دستورية النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، الفصل 120. 6. البت في النزاعات المتعلقة باختصاص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، الفصل 101. 7. البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية، الفصل 80. 8. إعفاء رئيس الجمهورية، الفصل 88. 9. إقرار الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية، الفصل 84. 10. تلقي يمين القائم بمهام رئيس الجمهورية حالة الشغور النهائي وفي حالة حل المجلس، الفصل 85. بينما تختص الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين فقط بمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين وقد زادت دعوات البعض من النواب والقيادات السياسية الى تغيير القانون وتمكينها من كل صلاحيات المحكمة الدستورية المشهد خطورة وقتامة نرجو ان تزول بعودة المسار الدستوري الى سكته من خلال إفراز المحكمة والمضي الى الانتخابات في آجالها الدستورية. من هو لطفي زيتون؟ ولد في 13 أوت 1964 بتونس وهو إعلامي وباحث متخصص في السياسة والتاريخ ومتزوج برئيسة منظمة «نساء ضد التعذيب» ولهما ثلاثة أولاد وبنتان. زاول تعليمه الابتدائي بمدرسة سيدي علي عزوز ثم بالمعهد الفني بتونس لكن الاعتقالات التي تعرض إليها حالت دون استكمال دراسته الجامعية في تونس، حيث اعتقل مرة أولى على اثر الأحداث التي تلت اغتيال الطالب عثمان بن محمود في افريل 1986 ثم سجن مرة ثانية من سنة 1987 إلى سنة 1989 ثم انقطع مرة أخرى أواخر سنة 1990 بسبب الحملة الاستئصالية التي شنها نظام المخلوع على ناشطي حركة النهضة. بدأ رحلة المنفى في ديسمبر 1990 في الجزائر وقد عمل هناك مراسلا لبعض الصحف العربية لكن بعد تصاعد الضغوط التونسية على السلطات الجزائرية من اجل تسليمه هو ورفاقه غادر إلى بريطانيا في 20 مارس 1992 أين واصل عمله الصحفي وتحصل على ديبلوم اللغة الانقليزية والتحق بالجامعة من جديد فتحصل على باكالوريوس الحوكمة والتاريخ السياسي من جامعة شرق لندن ثم تحصل على الماجستير في نظريات العلاقات الدولية من جامعة كانتربري ببريطانيا. شغل موقع مدير مكتب رئيس حركة «النهضة» من سنة 1993 إلى غاية 2006 كما كان عضوا في المكتب الإعلامي والسياسي للحركة بالمهجر خلال التسعينات. في سنة 2000 التحق بالمكتب التنفيذي ومجلس الشورى لحركة «النهضة» في المهجر وشغل منصب رئيس تحرير مشارك لفصلية «مراصد» التاريخية. كما تقلد منذ سنة 2006 منصب نائب ورئيس تحرير قناة «الحوار» الفضائية اللندنية وعضو مؤسس في مركز تونس للدراسات الاستشرافية وعضو الاتحاد الوطني للصحفيين في بريطانيا. تقلّد مهام المستشار السياسي لرئيس الحكومة حمادي الجبالي في أعقاب انتخابات المجلس الوطني التأسيسي قبل أن يستقيل بصفة مبكّرة مُدافعا عن خيار التوافق ورفض الإقصاء السياسي او الحزبي دون اللجوء للقضاء، وهو حاليا عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة .