استغلال محكم لفضاء مسرح الهواء الطلق بالحمامات، وجمالية أضفتها الإضاءة البدلية، ونص دسم أبرز ما ميز مسرحية «رسائل الحرية»، ليلة أول أمس في افتتاح الدورة 55 لمهرجان الحمامات الدولي. تونس (الشروق) افتتحت الدورة 55 لمهرجان الحمامات الدولي، مساء أول أمس الأربعاء 10 جويلية2019، بعرض مسرحي جديد أخرجه المسرحي حافظ خليفة وكتب نصه الكاتب المسرحي عز الدين المدني . النص كتبه المدني منذ أكثر من 40 سنة، وأدخل عليه بعض التغييرات، ليتحدث النص عما يعبر عنه ب"الآن وهنا"، رغم أن أحداثه ترجع إلى حقبات زمنية ضاربة في القدم، على غرار العهد الفاطمي أو الدولة الفاطمية. في "رسائل الحرية" من خلال كتابة عز الدين المدني وما استعاره المخرج والممثل حافظ خليفة من "مونولوغات" عن الحرية والظلم في هذا العمل، هو استعارة التاريخ والتخفي وراءه للحديث عن الواقع الراهن لا في تونس فقط وإنما في الوطن العربي، وتعددت رسائل الحرية ولكن الرسالة الأبرز والتي رافقت أحداث أو مشاهد المسرحية في النصف الثاني منها، تتمثل في أن سبب الدمار في العالم العربي هو الإسلام السياسي، وأن الساسة في العالم يضحكون على ذقون العامة باسم الدين. بل ذهب المدني في نصه ومعه حافظ خليفة في تجسيده لشخصية المهدي المنتظر، والتي خير تجسيدها بنفسه لتشبعه بالأبعاد العميقة لهذه الشخصية، إلى إبراز وتأكيد أن هذا المهدي المنتظر دجال، وأن الدجّال هو السياسي، أو كما صرح المدني "تجار الدين دجالة"، وعلق المدني في حديثه ل"الشروق"، قائلا: "ليس ثمة دعوة للانتفاضة الشعبية، كما قلتم، فأنا لست وصيا، وإنما قدمت اقتراحا للشعب حتى يفكر في حالنا اليوم وفي مستقبلنا، وحتى يعيد النظر في الثوابت وفي كل شيء، فتونس لديها عمق حضاري كبير وكانت إمبراطورية في الدولة الحفصية..". «غربان الظلام» و«المهدي المنتظر» رمزية شخصية المهدي المنتظر في "رسائل الحرية"، دعمتها الرؤية الإخراجية التي اعتمدت الغربان، التي ترمز بدورها إلى خفافيش الظلام أو غربان الظلام كما اختار تسميتها حافظ خليفة، ومثلما قدمها وناقشها حول رمزيتها، هذه الغربان تعيش وتتمعش من الخراب والدمار الحاصل في الوطن العربي، ويظهر ذلك في الحوار الذي جمع "الغربان" والذي سأل فيه كل غراب عن حال بلد (الشام والعراق ومصر وبلاد المغرب..). الغربان في "رسائل الحرية" هم المتطرفون وبصورة أوضح الإرهابيون، ومن خلال هذه الشخصيات الظلامية وشخصية "المهدي المنتظر" حاول أصحاب "رسائل الحرية إبراز أن التطرف والإرهاب يتغذى من الخراب والدمار الذي خلفه الساسة أو السياسيون من خلال استعمال الدين والإسلام السياسي نموذجا... ولئن حاول المدني الابتعاد عن مصطلح "دعوة" وتعويضه بمصطلح "اقتراح"، إلا أن أحد المشاهد الأخيرة وأكثرها تأثيرا كانت فيه دعوة صريحة إلى الانتفاضة والثورة على ماهو موجود، أي ضد الساسة الدجالين الذين خربوا "البلاد" وجروا العباد كالقطيع أو ك"الغنم" على حد توصيف المدني، متحدثا عن نصه الذي وصفه المخرج بالرهيب والقوي وغير المعقد... وفي سياق متصل قال مخرج "رسائل الحرية" حافظ خليفة: "إن المشكل ليس في شيعة أو سنة، وإنما المشكل الحقيقي هو قيام إنسان مؤمن بقضيته حتى لو كان متدينا، مثل روباس بيار الذي مهد للثورة الفرنسية وبعدها قتل ممن اعتلوا الحكم، ونفس الشيء يحصل اليوم ونفس المصير يتكرر فهذا يؤمن بقضية ويقوم بثورة، فيأتي دجال ويركب على الموجة ويحاول عزل هذا المناضل، ولما يكتشف خطورته يقتله، وعبر عن هذا في النص بالقول: من أمرتنا بطاعته، أمر بقتلك، وبالتالي المسألة واضحة، كل الوطن العربي قام بثوراته ولكن من يحكمونه اليوم هم الدجالون، الذين لم يحركوا ساكنا أثناء قيام الثورات..". جمالية العرض والإضاءة البديلة الرسائل والرموز في مسرحية "رسائل الحرية" كانت سياسية بامتياز، لكن التعمق فيها ليس بالأمر الهين كما يتصور البعض فالمسرحي أنور الشعافي يرى أن مضمون المسرحية يناقش، لكنه يتلخص في أن المهدي المنتظر هو الشعب، وذهب الشعافي كما ذهب أغلب الحضور من مختصين في العرض، إلى أن النص جميل، وأنه نص مرجعي في زمن استسهال الكتابة المسرحية. وما زاد في جمالية النص هو الاستغلال المحكم لفضاء العرض، حيث تم استغلال كل ركن من أركان الفضاء بحرفية كبيرة، وبتحكم أكبر، ومثلت الإضاءة البديلة الاكتشاف، وعنها قال الشعافي: " رسائل الحرية تسجّل عودة الكبير عزالدين المدني بنص، درس في نوعه ، مثير للنقاش في خطابه وكانت فرصة لاكتشاف الإضاءة البديلة التي ابتكرها الدكتور عماد هادي الخفاجي بمعية المياحي محمد مهدي من العراق وهذه الإضاءة البديلة ستدفع بالتقنية إلى عوالم أرحب ستثري اللغة المسرحية، أما الموسيقى فقد جعلتنا نكتشف فنانا سيكون له شأن كبير وهو رضا بن منصور". أما مبتكرا الإضاءة البديلة العراقيين، فقد أكدا على تميز العرض ونجاحهما النسبي في تجسيد هذه الإضاءة في فضاء مفتوح، مشددين على أن جمالية الإضاءة البديلة تتجسد في الفضاءات المغلقة، وهو ما أكده أيضا حافظ خليفة حين قال إن هذه التقنية تتطلب سقف إضاءة وتواجد زاوية 45 درجة.