إن تأميم الثروات النفطية في العراق قد حقق من الموارد المالية الكبيرة المتزايدة عاما بعد عام ما يشكل في الواقع العمود الفقري في (التراكم الرأسمالي) الذي يخصصه العراق لعملية التنمية الاقتصادية بعد قيام ثورته و تنضاف اليه بطبيعة الحال هنا الموارد الاخرى التي توفرها الموارد التقليدية الناجمة عن الزراعة والتجارة والاستغلال الوطني لبعض الثروات المعدنية الاخرى. فالثورة التي تسلمت (خزائن خاوية) في بداية عهدها ولم يصل دخلها الوطني الى أكثر من 896 مليون دينار في عام 1969 ازداد في عام 1972 الى 1218 مليون دينار قد بلغ في عام 79/ 1980 اكثر من 15 الف مليون دينار ، وكان وينبغي ان يكون تأميم النفط لصالح الشعب العراقي طبقا لهذا المنظور، و أن يحقق «الخروج» من دائرة النفوذ الاجنبي الاستعماري وتحقيق استقلال الارادة السياسية الوطنية وكسر التبعية البنيوية للاقتصاد العراقي للبنية الامبريالية العالمية. العامل الاخر الذي عملت الثورة على تحقيقه، هو تجنيب العراق الدخول في ساقية القروض الاجنبية المشروطة او الضاغطة على كل حال، مهما كان مصدرها، على الارادة الوطنية في عملياتها التنموية، وهو الامر الذي من المتعذر – ان لم يكن من المستحيل – تجنبه بالنسبة للغالبية الساحقة من الدول المتخلفة او النامية وهو ما يشكل في النهاية اقتصاديا وسياسيا حائطا مسدودا امام نموها وسقفا محدودا امام افاق تطورها وتقدمها وما اكثر ما فشلت تجارب تنموية عديدة في العالم الثالث نتيجة اغرائها بالقروض السهلة في البداية ثم اغراقها في الديون بعد ذلك وهي السياسة التي تستخدمها الامبريالية كواحدة من اساليبها العديدة لوقف تطور البلدان النامية وشل تقدمها وإبقائها في وهدة التخلف مربوطة بسلاسل لا فكاك منها مع البنية الامبريالية العالية. بطبيعة الحال لا يمثل تراكم رأس المال من خلال عائدات النفط في حد ذاته خروجا تلقائيا من الدائرة الجهنمية للقروض الامبريالية والشركات متعددة الجنسية فمن المعروف ان كثيرا من الدول المصدرة للنفط وعلى رأسها (ايران) في منطقة الشرق الاوسط تعاني ازمة تراكم الديون الخارجية على اقتصادها وعجزا في ميزان مدفوعاتها ذلك لان تراكم راس المال وحده قد يدفع بعض الدول التي تمتاز به الى الاندفاع نحو مزيد من القروض الخارجية وهو الامر الذي حدث بالنسبة لعديد من الدول النفطية العربية نفسها بعد الارتفاع المفاجئ في اسعار النفط عام 1973. ان المسألة في النهاية تتعلق – مرة اخرى – بالفلسفة السياسية للسلطة ومدى تمثيلها للطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية الفقيرة والكادحة في مجتمعها التي ينبغي ان توجه لصالحها العملية التنموية في المجتمع. ان العراق نفسه مثال معبر عن هذا المعنى فمنذ تسلمت سلطته ثورة جويلية في 1968 و لم تكتشف بداخله مصادر جديدة للثروة، في ذلك الوقت. ومع ذلك فإن التطورات الضخمة التي حدثت في السنوات العشر اللاحقة تكشف عن المغزى الحقيقي لقيادة ترتبط بشعبها والدلالة الواقعية العملية لإحساس شعب من الشعوب بأنه يعمل لنفسه لا لقلة من الفئات الرجعية المستغلة وانه يصنع الرخاء المادي لحاضر ابنائه وأجياله المقبلة. في عام 1979 كان صدام حسين جالسا في مكتبه وأمامه وزير الاعلام الموريتاني (ولد ديدي) وكان مبعوثا يومها من الجانب الرئيس الموريتاني ينصت إليه وهو يتحدث عن التجربة الثورية في العراق وانجازاتها في الميادين المختلفة. وبدأ على الوزير الموريتاني الاقتناع المشوب بالإعجاب الذي عبر عنه بقوله : (انكم في الحكم منذ حوالي عشرة سنوات لم تكتشفوا منابع جديدة لتنمية اقتصادكم فالبترول والغاز والتمر كلها كانت موجودة ولكنكم استطعتم ان تنهضوا بالبلاد من خلال حسن استغلالكم لها وغيرها من مصادر الثروة). يتبع