تونس الشروق: حصل مؤخرا مسؤول رفيع المستوى على 180 د بعنوان المشاركة لمدة ثلاثة أيام في تظاهرة اقتصادية كبرى احتضنتها فرنسا واستقطبت وفودا من أكثر من ثلاثين دولة. وبالنتيجة اضطرّ المسؤول التونسي إلى دفع 60 يورو أخرى لخلاص الإقامة في فندق صغير غير مصنّف فيما أقام نظراؤه من المغرب ومالي والنيجر في فنادق فخمة ووفرت لهم سفاراتهم سيارات فاخرة لتأمين تنقلاتهم أثناء انعقاد التّظاهرة الاقتصادية المذكورة. والأغرب من ذلك أن منحة المشاركة في التظاهرات الدولية بالخارج لم تحيّن منذ ما يزيد على 15 عاما رغم تضاعف سعر صرف اليورو خلال هذه الفترة بما يجعلها لا تتجاوز اليوم 110 يورو للوزراء و100 يورو لكتاب الدولة و60 يورو لبقية كبار إطارات الدولة بما في ذلك رؤساء الدواوين الوزارية والرؤساء المديرون العامون للمؤسسات العمومية. وفي خضم هذه المفارقة يندفع السؤال كيف سيتمكن كبار إطارات الدولة بما في ذلك الوزراء من جلب مكاسب فعلية من التظاهرات الدولية في الخارج وهم يواجهون في كل مرة «وجع دماغ» لإيجاد ما يَصون ماء الوجه في خضم الفارق الشّاسع بين منحة الدولة وكلفة الإقامة والتنقّل والتغذية. وبالمحصلة فإن هذه المفارقة التي تبدو شكلية هي إساءة حقيقية لصورة تونس في الخارج وتعطي انطباعا لدى الآخرين بأننا بلد متخلف ويعاني الفقر المدقع أو على الأقل غير جدي في معاملاته مع الآخرين ثم ما هو الانعكاس المالي لمضاعفة منحة المشاركة في التظاهرات بالخارج حتى ثلاث مرات إذ أن كلفتها ستكون بمثابة قطرة ماء في بحر مقارنة بحجم ميزانية الدولة. وفي السياق ذاته تطرح مفارقات أخرى كثيرة في مقدمتها أجور أعضاء الحكومة والولاة والمعتمدين المجمدة منذ 2008 ورواتب المعتمدين الأول المجمدة منذ 2002 وجعل راتب المعتمد الأول على سبيل المثال يعادل راتب رئيس مصلحة عمومية فيما أصبحت الحكومة تواجه صعوبات جسيمة لإيجاد مترشحين لخطة معتمد بل إنّ هذه الخطة بالذات لم يعد يقبل بها سوى صاحب شهادة عليا أعيته البطالة. والأغرب من ذلك هو التدهور الخطير للقدرة الشرائية لأجيال من كبار المسؤولين الذين أحيلوا على التقاعد على خلفية أن تجميد أجور المباشرين أدى آليا إلى تجميد جرايات المتقاعدين. وبالنتيجة فإن هذه المفارقات التي أهملتها الحكومة تحدث شرخا كبيرا في مفهوم «هيبة الدولة» وهو من بين أسباب تجذر ثقافة الانفلات حتى داخل أروقة الدولة وجهود فرض التعاون مع البلدان الشقيقة والصديقة كما يدفع بشكل غير مباشر إما إلى تفقير الدولة من الكفاءات أو استشراء الفساد.