يدرس الاخوان في مصر ذات الخيار الذي انتهجته حركة النهضة في مؤتمرها العاشر لما قررت فصل الدعوي عن السياسي وذلك بفعل الراهن السياسي الدولي الذي أفرز مواقف جديدة من الأحزاب الاسلامية الناشطة في المنطقة العربية. خيارات قد يكون اساسها تكتيكيا لا غير... تونس الشروق/ صرح القيادي الإخواني جمال حشمت غداة انتهاء مؤتمر حركة النهضة التونسية الملتئم في ماي 2016 أن الإخوان في مصر يدرسون ذات الخيار الذي اقره اخوان تونس بالفصل بين الدعوي والسياسي. وفي غمرة هذا النقاش الذي بات يؤثث حلقات الاخوان في كامل المنطقة العربية، كتب الدكتور همام يحي «بات موضوع «فصل الدعوي عن السياسي» حديث ساعة في أوساط الحركات الإسلامية وأنصارها ودارسيها والمهتمّين بها عموما. فمنذ أعلن الزعيم التاريخي لحركة النهضة التونسية راشد الغنوشي عن اعتزام حركته التحوّل الى حزب سياسيّ، وبالتالي التطبيق العمليّ للفصل بين الدعويّ والسياسي واختيار السياسيّ وترك الدعويّ لأجسام أخرى في المجتمع، توالت التعليقات والتحليلات. وكان لافتا تصريح القيادي الإخواني جمال حشمت أن الإخوان في مصر يدرسون خيارا من هذا القبيل. ومن المتوقّع أن يحظى هذا الموضوع بنقاش متزايد، سيشمل -كعادة النقاشات في أوساط الإسلاميين- استعادة جدالات قديمة لم تُحسَم حول العلمانية والإسلام والدين والدولة والوطن والأمة. ونأملُ أن يُضاف إلى ذلك نقاشات مستجدّة أكثر نضجا تتجاوب مع حجم تضحيات الإسلاميين التاريخية، وكذلك مع حجم مأزقهم الراهن». و اعتبر يحي انه « إذا كان فصل الدعوي عن السياسيّ مما لا يُتوقَّع نقاشُه بجدية خارج الإخوان المسلمين والجماعات والأحزاب التي انبثقت عنهم، فهو في الحقيقة ليس جديدا على الحركة الإسلاميّة الحديثة ومكوّنِها الأهمّ جماعة الإخوان المسلمين. بل قد شهد جدلا واسعا ترتّبت عنه نتائج عملية في بعض البلدان. وبعض هذه النتائج كان بتخطيط الإخوان، وبعضُه كان خارجا عن إرادتهم، إلا أنّ هذا الجدل وُجِد بالفعل وترتّبت عنه أحداث مفصليّة في تاريخ الحركة الإسلامية بعموم». ومن الواضح ان هذا الخيار املته المتغيرات في مواقف الغرب من الاخوان عموما والاحزاب الاسلامية خصوصا. اذ بات مؤكدا ان حركة النهضة التونسية مثلا قد قامت بخيار استباقي بإعلانها عن الفصل بين الدعوي والسياسي لوعيها بأن الغرب لم يعد يستوعب فكرة وجود احزاب تقوم على مرجعية دينية وبالأساس اسلامية. اضافة الى « التغيرات الجذرية التي وقعت في مصر بعد عام 2013 وسقوط مشروع جماعة الإخوان المصرية وخوف النهضة من تكرار السيناريو المصري في تونس والتغيرات التي وقعت في مستوى الإدارة الأمريكية وصعود إدارة الرئيس ترامب، غير المنسجمة مع الجماعات الإسلامية، بعكس إدارة أوباما التي شجعت صعود جماعات إسلامية إلى السلطة في أعقاب موجة ثورات الربيع العربي كذلك موازين القوى المختلة سياسياً واجتماعياً ضد الحركة، وبخاصة في مستوى النخب. فالحركة على الرغم من أن لها قواعد جماهيرية كبيرة إلا أنها ضعيفة جداً في مستوى النخب الثقافية والإدارية والسياسية والإعلامية› كما جاء ذلك في موقع اوان. فإلى أي حد اقنع اخوان تونس بجدية هذا الخيار وهل ينجح اخوان مصر بإقناع الغرب بصدقية هذا الخيار؟ فشل تاريخي... يعتبر الدكتور همام يحي انه «كتقييم عام، لم تنجح حالات الفصل أو الانفصال التي شهدتها الحركة الإسلامية في تحقيق أهدافها. وتراوحت بين أن تكون فصلا شكليا خاويا من المضمون الفعلي، بأن يظلّ الجسم الجديد تابعا للجماعة الأمّ ولا يخوض تجربة حقيقية، أو ألا يحظى بدعم كاف من الجماعة الأم ومنظريها، أو أن يكون عبارة عن محاولة بنصف عقل ونصف قلب دون اعتراف حقيقي بأهمّية «السياسي». ويعود هذا الفشل الى طبيعة الجسم في حد ذاته « فمنذ نشأتِها سعت حركة الاخوان المسلمين الى النهوض بدور الإطار المعنويّ الذي يشكّل مظلّة جامعة تعوّض انهيار رابطة الخلافة، وتمثيل شمولية الإسلام وعمومه لسائر مظاهر الحياة، حتى المتقابلة منها. فهو دين ودولة، عقيدة وحقيقة، أصالة ومعاصرة، التزام واجتهاد. هذا ضَمِن للدعويين، أو العلماء والمشايخ وطلبة العلم الشرعي والوعاظ، مكانا دائما ومتميِّزا داخل نسيج الإخوان، سواء في المناصب القيادية العليا ومجالس الشورى، أو في تشكيل الرأي العام الإخوانيّ بما لهم من حضور دعويّ واجتماعي وبلاغة خطابيّة، يُضاف إلى ذلك أن المواقف الصلبة المنسجمة مع نفسها، والتي تأخذ جانب الصمود والثبات على المبادئ وعدم الاستسلام للتغيرات والتقلبات، تحظى بميل نفسي لدى الإسلاميين بوجه عام». ويعتبر الدكتور همام يحي ان «الدلائل على فشل محاولات الفصل أو الانفصال السابقة كثيرة. منها أن الجدل ما يزال يتجدّد حول الموضوع. بل حتى لا يكاد يبدو جديدا وغير مألوف هذه المرة في أوساط بعض الإسلاميين، فلو كانت التجارب السابقة حقيقية لما بدا الموضوع وكأنه يُطرَحُ ويناقَش لأول مرة. ومن دلائل الفشل أن عباءة «الإسلام السياسي» ظلّت تنتج أجساما تحاول الاضطلاع بمهمة «السياسي» حتى في بلدان كان ينبغي لجسم سابق فيها أن يضطلع بهذا الدور.ففي الأردن، ظهرت مبادرة «زمزم» لتعلن أن حزب جبهة العمل الإسلامي لم يقم بالمهمة. وفي العراق خرج كثير من الإخوان من عباءة الحزب الإسلامي. وتحالفوا سياسيا مع إياد علاوي، الشيعي العلماني. وفي مصر استقلّ عبد المنعم أبو الفتوح بحزب «مصر القويّة» رغم وجود حزب الوسط. أما في فلسطين، فقد شهدت التجربة مآلا عكسيّا. إذ أُعيدَ حزب الخلاص الوطنيّ الإسلاميّ إلى الحركة الأمّ حماس. حيث جمّدَ الحزب نفسَه وأغلق مقرّاته. وعاد معظم المنتمين له إلى صفتهم التنظيميّة الأصلية أعضاءً وأنصارا في حركة حماس.وهي خطوة لم تخلُ بدورها من جدل ومعارضات». صدقية المراجعات... منذ ذلك المؤتمر الذي اقرت فيه حركة النهضة خيار الفصل بين الدعوي والسياسي والسؤال المركزي يدور في فلك مدى صدقية هذا الخيار. تقول الكاتبة المستقلة لورا مي غافاريو «استُقبِلَ الخبرُ ،أي اعلان حركة النهضة عن الفصل بين الدعوي والسياسي، بَتوجُّس في تونس. فالنهضَةُ تبقى مُتَّهمةً بالتستُّر على مشروعِها الحقيقي : أسلَمةِ المجتَمعِ التونسيّ تدريجيّاً، بما يتوافَق مع الركيزةِ الإيديولوجيّة للإخوانِ المسلمين الذين تتحدَّرُ منهم الحركةُ وهو أمرٌ لا يفوِّت خصومُها فرصةً للتذكير به. فهل نحن أمامَ استراتيجية للاستِمرارِ السياسي أم تغيُّرٍ فكريّ فعليٍّ «. وذات الواقع ينسحب على اخوان مصر. اذ هم امام اختبار معقد « فعندما نتحدث عن حركة الإخوان المسلمين وعن دعوتها ومبادئها التي أسسها الإمام البنا ومرجعيتها في ذلك رسائله وتوجيهاته، وعمله الدؤوب في إرساء أركان الدعوة والجماعة، فإنه ليس لدينا هذا الفصل بين الدعوي والسياسي بهذه المعاني المشار إليها. وليس لدينا هذا الشعار الذي رفضه الإمام البنا بوضوح». كما اعترف بذلك الدكتور محمد عبدالرحمن المرسى رمضان عضو مكتب الإرشاد بجماعة الاخوان المسلمين بمصر.