نحاول بهذه الحلقات من أدب الرحلات إمتاع القارئ بالتجوال في العالم رفقة رحّالة وكتّاب شغفوا بالترحال وأبدعوا على اختلاف الأنظار والأساليب في وصف البلدان، سواء انطلقوا من هذا القطر أو من ذاك، مع العلم بأنّ أكثرهم من المغرب الكبير ووجهاتهم حجازيّة لأولويّة مقصد الحجّ وغلبة المشاغل العلميّة والثقافيّة على آثارهم باعتبارهم فقهاء وأدباء، على أنّ الرحلة تكون ممتعة أكثر مع آخرين جالوا في قارات أخرى. مع الثعالبي في رحلته اليمنيّة الثعالبي ( عبد العزيز بن إبراهيم) : 5 9 1876 – 1101944. زعيم سياسي ومصلح إسلامي ومؤرّخ ومفكّر جزائريّ الأصل تونسيّ المولد . درس في الزيتونة والخلدونيّة على أمثال المصلحين سالم بوحاجب والبشير صفر. في سنة 1895 م نشط في حركة الشباب التونسي بزعامة علي باش حانبة وكتب في الصحافة . وفي سنة 1901 م التقى في مصر بالمصلحين محمد عبده ومحمد رشيد رضا وعاد متأثّرا بهما داعيا إليهما إلى حدّ جعل المحافظين يتسبّبون له في المحاكمة والسجن. في سنة 1910 م أسّس جمعيّة الآداب المسرحيّة داعما العمل السياسي بالنشاط الثقافي ومتبنّيا في مقالاته مطالب الصادقيين والزيتونيين لإصلاح التعليم. تعاون مع الأتراك متصدّيا لإيطاليا في احتلال ليبيا. وفي حوادث الزلاّج نفي إلى فرنسا . وفي سنة 1919 أسّس الحزب الحرّ التونسي الذي أصبح في السنة الموالية يسمّى الحزب الحرّ الدستوري وهو في فرنسا يعرّف بالقضيّة الوطنيّة، خاصّة بكتابه « تونس الشهيدة» ( بالفرنسيّة)، ممّا عرّضه للجلب والمحاكمة والسجن من 3 أوت 1920 إلى ماي 1921. اضطرّ إلى الهجرة في أوت 1923 إلى الشرق حيث تنقّل داعيا للإصلاح بين مصر وفلسطين والحجاز واليمن والهند ثمّ استقرّ بالعراق منذ 14 جويلية 1925 وانتدبته جامعة بغداد من 1926 إلى 1930 م تاريخ غلقها. وعند رجوعه إلى الوطن في صائفة 1937 م وجد المنشقّين عن حزبه في مؤتمر قصر هلال قد أسّسوا حزبا جديدا، فانعزل إلى وفاته . له : تونس الشهيدة . – باريس 1920 ( بالفرنسيّة)، بيروت 1984 تع.سامي الجندي ؛ مسألة المنبوذين في الهند . – بيروت 1984 ؛ تاريخ شمال إفريقيا (8 ج ) . – بيروت 1987 ؛ معجز محمّد . – ط 2 / بيروت 1984 ؛ روح التحرّر في القرآن ( بالفرنسيّة) . – باريس 1905، تع . أحمد السقّا المحامي، بيروت 1985 ؛ محاضرات في تاريخ المذاهب والأديان . – بيروت 1985 ؛ مقالات في التاريخ القديم . – بيروت 1986 ؛ خلفيات المؤتمر الإسلامي بالقدس . – بيروت 1988 ؛ الرحلة اليمنيّة . – تح . حمادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1997. الرحلة : في القسم الأوّل من « الرحلة اليمنيّة « (تح . حمادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1997) وصف عبد العزيز الثعالبي ( 1876 – 1944 م ) اليمن السعيد بالتفصيل على نهج الرحّالة العرب السابقين جامعا بين الجغرافيا الطبيعيّة والبشريّة والاقتصاديّة . وفي القسم الثاني دوّن مساعيه لدى المسؤولين، وفي مقدّمتهم الإمام يحيى بن محمد بن حميد الدين وسلطان لحج عبد الكريم بن فضل، لإقناعهم بعقد مؤتمر عام يهدف إلى توحيد اليمن وتحريره، وهو ما لم يتمّ حتّى بعد إعلان الجمهوريّة في اليمن الشماليّ سنة 1962 واستقلال اليمن الجنوبي سنة 1969، وإنّما تحقّق متأخّرا في سنة 1990 بفضل علي عبد الله صالح. ويلي ذلك عديد المراسلات للمصالحة بين اليمن وجارته السعوديّة وللدعوة الإصلاحيّة. استغرقت الرحلة شهرين وأسبوعا، من 2 أوت إلى 17 أكتوبر 1924 تاريخ توجّهه إلى الهند لحضور مؤتمر جمعيّة العلماء المسلمين في مدينة مراد آباد في جانفي 1925. انطلق من عدن. وبعد اجتياز مسالك خطيرة وقبائل تعتاش من النهب والقتل وصل إلى مدينة آب . قال عنها: « آب مدينة فارسيّة أزليّة بناها دارا الأكبر لمّا فتح اليمن (وهو داريوس، ملك الفرس من 522 إلى 486 ق م ) . وصوابها آب لا إب بهمزة مكسورة، ومعناه المياه، وهي مبنيّة بالحجارة، وأكثر دورها متشابهة، وبناؤها مؤلّف من عدّة طبقات أكثرها أربع وأقلّها طبقتان، وطرقاتها معوجّة ضيّقة أشبه ما يكون بطرقات المدن الرومانيّة، وعليها سور ضخم له أربعة أبواب : وهي الباب الكبير وباب النصر وباب سنبل وباب الراجزة . وفيها أبنية عموميّة كثيرة أغلبها غير معتنى به وبعضها مهمل، وفيها من المساجد فقط 32 مسجدا منها المسجد الجامع بناه أحد المحسنين من الهنود ولم يتمكّن من إتمام بنائه، فأتمّه الإمام المنصور الزيدي في القرن السادس من الهجرة، وهو يسع 5000 نسمة. وأمّا معاهد التعليم فلم يبق منها سوى سبعة كتاتيب للصبيان فيها 700 تلميذ ومدرسة علميّة واحدة لتعليم النحو والفقه وما إليها من الفنون. والتعليم فيها كلّ يوم من صلاة الصبح إلى الضحى على الطريقة القديمة. وبها من السكّان نحو 6000 نسمة كلّهم مسلمون عدا 25 نسمة من اليهود . دخلت آب يوم الأربعاء 20 أوت على الساعة التاسعة صباحا من الباب الغربي وهو المسمّى بالباب الكبير فمررت على سوق الحبوب وسوق الصائغين، ثمّ انتهينا إلى دار الحكومة حيث تقرّر نزولي» (ص 62). ومن آب اتّجه نحو صنعاء مرورا بالمخادر. قال : « خرجنا من المخادر صبيحة يوم السبت 23 أوت وسرنا في الطريق المارّة بأعالي بيوت الوادي. وكنت أسير وزهر الياسمين يبسم لي من أنفاسه الشذيّة طول الطريق إلى أن نزلنا إلى وادي المحفل وهو من أخصب وأنضر أودية اليمن. ففيه تبصر مزارع البنّ والأترجّ والخوخ والرّمان والسفرجل والموز والقات، وفي وسطه واد كثير المياه يسقي في طريقه كافة المزارع والبساتين ولم ينقطع عنّا إلاّ حينما أخذنا في الصعود إلى نقيل عنق الغزال. وهو طريق حلزوني في جبل قائم فوق سطح الأرض. والذي يلقي عليه نظرة قبل صعوده لا يصدّق أبدا بإمكان الوصول إلى قمّته . والقوافل يشتدّ وجلها وخوفها إلاّ عند قطع هذا النقيل، وكذا نقيل سمارة القريب منه (والنقيل الربوة). (يتبع)