كمال بلهادي ومع ذلك يمكن ان يظل السؤال قائما : اليس من الممكن بالنسبة لحزب في السلطة ان تأخذه العزة بانتصاراته او الغرور بمنجزاته فتتراخى عضلاته وتتصلب شرايينه ويتجمد الدم في عروقه؟ تجارب كثيرة في العالم قادتها احزاب كانت تتوهج بالثورة قبل تسلمها السلطة وحتى في بداية ممارستها لها سرعان ما خمدت نيرانها وبردت ثوريتها وتحولت الى (ارشيف) يخرجه (البيروقراطيون) الجدد من ادراجهم لينظروا فيه كما ينظرون في (ألبوم) الذكريات القديمة او ليتحدثوا عنها في المناسبات الوطنية والأعياد الرسمية. صدام حسين كان واعيا تماما لهذه القضية ولم يصدر وعيه بها من شبابه المتوقد فقط وإنما من نضاله الشاق الذي خاضه في صفوف الحزب قبل ان يتسلم السلطة وعلى راس الحزب بعد ان تولى السلطة. فهو لم يهبط على كرسي السلطة بثورة فوقية ولم يكن الحكم بالنسبة اليه هدفا في حد ذاته بل انه اكثر من مرة طلب ان يتراجع عن المواقع التنفيذية في سلطة الثورة وان يحتفظ فحسب بموقعه كمناضل في صفوف الحزب. لم يكن طلبه ذاك بعد ان خلص الثورة من المتسللين اليها في 30 جويلية 1968 لأول مرة ولا لآخر مرة. فقبل قيام الثورة نفسها اثناء الاعداد لها كان يقول لرفاقه في القيادة القطرية :عندما تقوم الثورة وتتسلم سلطتها ارجوكم ان تعتبروني عضوا عاديا في الحزب. وكانوا بالطبع يرفضون رجاءه ولم يكن ثمة مجال حينذاك على كل حال لتنفيذه ولكنه بعد ان خلص الثورة من المتسللين اليها في 30 جويلية 1968 واطمأن الى ان حزبه وحده هو الذي يقبض على زمام السلطة في البلاد. قال للرئيس احمد حسن البكر بعد ان اذاع بيان 30 جويلية : الان اصبح من الممكن تنفيذ رجائي القديم. ولكن البكر ورفاقه في القيادة رفضوا رجاءه مرة اخرى بإصرار اشد. و لم يتخل عن هذا الرجاء بعد ذلك حتى بعد ان مرت عليه سنوات طويلة وهو يقود السفينة من موقع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة سيظل يردده بين الحين والآخر حتى اصبح في لحظة لم يعد فيها مفر امامه من ان يكون المسؤول الاول امام جماهيره وأمام دول العالم عن دولة الثورة. ان المناضل الحزبي الاصيل لا ينسى او يتناسى حزبه للحظة ان الدولة بالنسبة اليه هي جهاز ادارة الثورة ومن هنا ليس من الغريب ان يلح على رفاقه دائما بأن ينقلوا (تقاليد الحزب الى الدولة) إذ يقول، نريدكم ايها الرفاق وانتم تقودون السلطة ان تستعينوا بتقاليد الحزب كيما تكون عرفا ثابتا في عملكم اليومي وتكون هي تقاليد الدولة المتطورة حسب الحاجة العملية لاستخداماتها لا تحاولوا استعارة تقاليد الدولة لتجعلوا منها بديلا لتقاليد الحزب.. لأن ثمة فرقا نوعيا كبيرا بين الدولة وبنائها السياسي والتنظيمي.. وبين الحزب وبنائه السياسي والتنظيمي رغم ان الدولة هي دولة الحزب واذا ما انعدم الفرق بين سلطة الدولة وبين الحزب فعندها سيغدو الحزب حزب السلطة بدلا من ان تبقى السلطة سلطة الحزب وستنتهي خصوصيتنا كمناضلين مؤثرين في واقع المجتمع بقصد التغيير نوعيا الى امام أو تضعف الى حد كبير فيتحول الحزب الى جهاز تقليدي من اجهزة الدولة فلا تعود الدولة كيانا يحركه ويقوده ضمير وعقل الحزب دائما للتطور الى امام). بل ان المناضل الحزبي الاصيل الذي يعرف جيدا ان النقد والنقد الذاتي هما شهيق الحزب الثوري دائما وزفيره يؤكد لرفاقه في الحزب ولقاعدته في الدولة انه : (يجب ان لا نتطير من الافكار النقدية المخلصة التي تقال في اجواء ديمقراطية) فهل النقد لمجرد النقد واثبات ديمقراطية القيادة؟ كلا (في الوقت نفسه يجب ألاّ نترك الافكار الخاطئة او المنحرفة تمر دون ان نؤشر عليها ونعالجها بوعي وبحزم ذلك ان مواقع الردة انما تكمن في داخلنا... اي داخل المجتمع العراقي.. وداخل اجهزة الدولة ومازالت هذه المواقع قوية لأنها موجودة فكريا وسيكولوجيا في كل قطاع من قطاعات الدولة ويعبر عنها احيانا بصيغ شتى حسب الظروف والأحوال..). يتبع