كان جمهور مسرح الهواء الطلق "سيدي الظاهر" بسوسة مساء الثلاثاء مع أول عرض مسرحي في برمجة الدورة 61 من مهرجان سوسة الدولي بعنوان "عسكر الليل" والذي عُرض بدوره لأول مرة في ولاية سوسة، نص سفيان بن حميدة وإخراج مراد الغرسلي وإشراف موسيقي للدكتور نور الدين بن عائشة وكوريغرافيا سوار بن الشيخ. العرض واكبه عدد ضئيل من الجماهير طلب منهم سفيان بن فرحات خلال تقديمه للعرض بأن يرجعوا بخيالهم إلى قرن من الزمن ترجع لفترة نهاية الحرب العالمية الثانية ليعايشوا فترة تاريخية زاهرة في الفكر والفن التونسي من خلال شخصيات أدبية وفنية وهي: علي الدوعاجي، عبد الرزاق كرباكة، عبد العزيز العروي، الهادي العبيدي، محمود بورقيبة، مصطفى خريف، جلال الدين النقاش، وشخصية أخرى فريدة من نوعها وهي جمال الدين بوسنينة وهو شاعرو لاعب كرة قدم ومن مؤسسي النادي الإفريقي وأول مذيع رياضي وكان أول من كتب للرشيدية في تونس... هؤلاء جميعا أطلقوا عليهم اسم "عسكر الليل" لأنهم يجتمعون ليلا في مجالس شعر وطرب، وهي شخصيات أتقن تجسيمها الممثلون: فتحي المسلماني، خالد هويسة، محمد سعيد، توفيق البحري إلى جانب شخصيات فنية بدءا بحبيبة مسيكة، مرورا بشافية رشدي وصولا إلى الفنانة فتحية خيري التي توقفت عندها المسرحية وجسم مختلف أغاني هؤلاء أصوات عكست إمكانيات فنية جيدة وهن: منجية الصفاقسي وسماح الأندلسي ومهر همامي ونورس زميط وعلى رأسهم الدكتور نور الدين بن عائشة. العرض أتى على شخصيات تاريخية أخرى وتضمن أكثر من نقطة مضيئة أهمها التطرق إلى فترة تاريخية نادرة المعلومات مما يعطيها صبغة توثيقية مهمة فضلا عن قيمة النص المكتوب الذي كان بدارجة تونسية عميقة نادرا ما سمعناها في عدة أعمال متداولة خاصة في ظلّ موجة البذاءة التي يعتبرها البعض نقاط قوة "مسرحياتهم". نقطة مضيئة أخرى تمثلت في قيمة الأصوات التي شاركت في الغناء كما ونوعا ولكن رغم قيمتها الفنية لم يقع توظيفها كما ينبغي حيث كانت جل الأغاني بطريقة "البلايباك" إضافة إلى عدم تأهيل هؤلاء المطربين مسرحيا إلى جانب ضعف الجانب الحركي تصورا وتنفيذا من حيث الرقصات المصممة والتي كانت بعيدة عن الإيقاعات الموسيقية ومرجعياتها سواء تونسية أوإسبانية (فلامنكو) إلى جانب بعض المشاهد التي بدت مسقطة وتبقى الهنة الكبرى تتعلق بحبكة النص مسرحيا حيث كانت عدة مشاهد متناثرة وبعضها تهمّش إلى جانب أن جل الأغاني بدت مسقطة فبدا العرض متسرع التحضير. ورغم تصنيفه من قبل القائمين عليه ب"الكوميديا الموسيقية" إلا أنه فنيا لم تبرز هذه النوعية بل كانتمختزلة في مجموعة من الأغاني والرقصات المشتتة وغير المدروسة لم تساير بنية النص المكتوب في عمقه وفي رموزه والذي يبقى منفتحا على المزيد من الحبكة والتطوير في ظل نخبة متميزة من الممثلين والمطربين تشجع على ذلك.