لم تشهد حركة النهضة حالة من التردد والارتباك أكثر من التي تعيشها الآن. فاختيار «العصفور النادر» كما اصطلح على تسميته مؤخرا مهمة ازدادت تعقيدا مع تقديم الانتخابات الرئاسية. تونس (الشروق) شهدت مجلس الشورى الذي عقدته حركة النهضة من أجل اختيار مرشحها لرئاسة الجمهورية حالة من الارتباك الكبير الذي انعكس حتى على طبيعة النقاشات مما أكد أن العملية ليست هينة وانما هي بالنسبة لقيادات الحركة مهما كانت مواقفهم مهمة مصيرية. واقعية كل الخيارات طرحت عملية تقديم الانتخابات الرئاسية مخاوف كبيرة داخل حركة النهضة حول مصير الانتخابات التشريعية التي هي الرهان الحقيقي للحركة وعملية التقديم ستنعكس نتائجها في الدورة الاولى التي تجرى قبل التشريعية على تركيبة البرلمان القادم. هو واقع أصبحت الحركة تواجهه خاصة انها تراهن على البرلمان. وتعتبر ان حكم تونس وفق النظام الجديد يتمركز في البرلمان وليس في قرطاج او القصبة لذلك تعددت الخيارات امام مجلس الشورى ولكل واحد منها ايجابياته وسلبياته. لكن جهل نوايا الناخبين هو ما عقد عملية الاختيار. لقد انقسمت المواقف بين ثلاثة توجهات رئيسية الاول ترشيح احد أبناء الحركة والثاني دعم مرشح مستقل أو من حزب آخر والخيار الثالث هو الذي جربته الحركة سنة 2014. لكن نتائجه هاته المرة غير مضمونة خاصة بعد ان اصبحت الرئاسية سابقة للتشريعية. كل الخيارات التي طرحت في المجلس كانت واقعية. وتحمل مبرراتها. وهو مازاد في نسبة الارتباك وشل قدرة المجلس المعهودة على الحسم في الملفات وتحمل مسؤولية عواقب قراراته. فاليوم الرئاسية هي التشريعية ولو بدرجة اقل لكن التأثير واقع لا محالة. أي العصافير تختار؟ من خلال السيناريوهات التي طرحت في مجلس الشورى يظهر مدى تعقد العملية وخطورتها. وفي هذا الاطار كان السيناريو الاول الذي طرح هو ترشيح أحد أبناء الحركة خاصة انه ليس هناك مرشح له حظوظ أكثر من الباقين أي ان العصفور ان كان من داخل الحركة لن يحكم عليه بالفوز أو الفشل قبل يوم الاقتراع. ويرى انصار هذا التوجه ان النهضة حزب كبير ان لم يكن الاكبر والاكثر تماسكا في الساحة السياسية. كما ان الاحترازات الخارجية على الحركة رفعت ولم تعد هناك تهديدات لها. وهو ما يمنحها فرصة التقدم لمنصب رئاسة الجمهورية. طبعا حركة النهضة هي الحزب الوحيد تقريبا الذي يطرح كل الحسابات الداخلية والخارجية في قراراته. ومن جهة أخرى يعتبر الرافضون لهذا السيناريو ان فشل مرشح نهضاوي قد يؤدي الى فشل في الانتخابات التشريعية أي تهديد حظوظها وموقعها في البرلمان القادم ويعتبرونها مغامرة مجهولة العواقب. وبالنسبة للسيناريو الثاني وهو دعم ترشح سياسي آخر من خارج الحركة ينقسم الى قسمين الاول ان تكون الشخصية المدعومة مستقلة والثاني ان تكون متحزبة. وفي هذا الاطار يرى انصار هذا التوجه في شقه الاول ان دعم مرشح احد الاحزاب الكبيرة الاخرى وان كانت اغلب الاحزاب مجهولة الحجم الا انه قد يعطيه فرصة للفوز. وتكون الحركة قد فازت أيضا بشكل أقل تأثير من فوز أحد أبنائها. لكن ان أخفق أيضا قد تكون انعكاساته على الانتخابات التشريعية أقل وطأة أيضا. أخف الأضرار اما في القسم الثاني من السيناريو الاول وهو دعم شخصية مستقلة له أيضا مبرراته لدى داعميه. فهو يعني ان الحركة واصلت في مسار التوافق. كما تبتعد من خلاله عن احتمال ان يفهم ترشيح متحزب من خارجها على انها اضعف من الحزب الذي ينتمي اليه. وبالتالي فان فاز تكون انتصرت للتوافق وكذلك حافظت على موقعها كحزب اول في المشهد. ولم تمنح الفرصة لحزب آخر ليحصد ثمرة دعمها وتضررها. وفي هذا المقترح ايضا هناك مخاوف لكنها أقل حدة من السيناريوهات الأخرى حيث انه ان فاز ستجني الثمار مع من دعمه من الأحزاب الأخرى وان أخفق لن تتضرر كثيرا من ذلك على اعتبار انها دعمت التوافق وسبقت شخصية مستقلة على ابناء الحركة من اجل ذلك. وهناك ايضا مخاوف من تنكره للحركة في حالة الفوز لكن ذلك لن يؤثر على التشريعية. ويبقى السيناريو الثالث وهو يعتبر المهرب الذي جربته الحركة سنة 2014 ونجحت من خلاله في الحفاظ على علاقاتها مع جميع الاطراف المتنافسة وكانت الحركة قبلتهم جميعا للحصول على دعمها وكانت هي الماسكة بخيوط اللعبة. طبعا كان ذلك في انتخابات رئاسية جرت بعد الانتخابات التشريعية أي ان الحركة ومؤسساتها لم تحمل همّ الفشل او الفوز. حيث لم يكن مطروحا عليها احتساب تأثير فوز هذا المرشح أو ذاك على نتائج التشريعية مثلما هو الحال اليوم. كما لم يكن مطروحا عليها ايضا احتساب تأثير غيابها عن السباق الانتخابي. تلك هي المخاوف التي عبر عنها عدد من قيادات الحركة. فالغياب هاته المرة ستكون له عواقب أيضا. حيث ان حركة في حجم النهضة عندما تغيب عن السباق الرئاسي لن يكون الامر منطقيا لدى الناخبين وحتى لدى قواعد الحركة لذلك كانت جلسة نهاية الاسبوع شاقة على أعضاء مجلس الشورى. وعجزوا عن التوصل الى قرار نهائي. وتقرر الابقاء على المجلس في حالة انعقاد على ان يحسم يوم الثلاثاء على اقصى تقدير. فوائد كل سيناريو ترشيح أحد قادة الحركة: المنافسة كحزب كبير والاستفادة من الفوز ان حصل في الانتخابات التشريعية . دعم مرشح حزبي: ضمان أكبر فرصة للفوز وعدم حصول انتكاسة في التشريعية. دعم مرشح مستقل: مواصلة مسار التوافق مع عدد من الاحزاب التي تدعم أحد المستقلين وحصاد ثمار الفوز في التشريعية. الحياد: الحفاظ على الحركة كمحور للصراع الرئاسي والتقليل من أضرار امكانية اخفاق مرشحها ان اختارت احد السيناريوهات الاخرى. مصائب كل خيار ترشيح أحد قادة الحركة: امكانية حصول انتكاسة في التشريعية ان اخفق. دعم مرشح حزبي: في حالة فوزه قد يحصد حزب المرشح الثمار وتتضرر النهضة باعتبارها اعترفت بحزب آخر له القدرة التي لا تملكها الحركة على تقديم مرشح. دعم مرشح مستقل: امكانية تنكره لجميل الحركة في حالة الفوز لكن دون التأثير على التشريعية. الحياد: خروج الحركة من حسابات الناخبين في التشريعية بسبب خروجها من الرئاسية.