للديمقراطية حراس وهياكل ومؤسسات يصونونها ويحمونها من كل اعتداء لكننا نحتاج اليوم إلى وقايتها والحيلولة دون محاولة الإعتداء عليها وحتى مجرد التفكير فيه. هذه المهمة لا يقدر عليها غير المواطن بصفة عامة والناخب بصفة خاصة فهو المستفيد الأول من الديمقراطية والمتضرر الأساسي من الدكتاتورية وبيديه أن يحمي نفسه أو يورط نفسه. للديمقراطية حراسها بدءا برئاسة الجمهورية كما اجتهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، مرورا بالمجتمع المدني والمؤسسات الدستورية وخاصة منها المعنية بمراقبة دستورية القوانين وصولا إلى البرلمان حيث تكون مهمة المعارضة الأولى والأساسية والرئيسة حماية الديمقراطية فيما يكون الهدف الثاني الحلول محل الحزب الحاكم أو الأحزاب الحاكمة في الانتخابات الموالية. هذه البديهيات المتفق عليها عالميا تتضمن استثناءات قادرة على تدمير الديمقراطية من داخلها فقد لا يكون الرئيس بالوطنية الكافية لإهمال مصالحه الخاصة في سبيل حماية الديمقراطية، وقد يتعطل تركيز المحكمة الدستورية المطالبة بمراقبة مدى دستورية القوانين والتعديلات، وقد يتم التأثير في نزاهة القضاء، وقد يتم تقييد الإعلام وتكميم الأفواه، وقد تعجز المعارضة طوعا أو كرها عن ممارسة دورها الأساسي… صحيح أن هذه السيناريوهات مستبعدة ولكنها تبقى ممكنة في النهاية والدليل أن هناك في العالم بعض التجارب الديمقراطية التي تم وأدها وتأسيس الأنظمة الدكتاتورية والمتسلطة على أنقاضها فما العمل للحيلولة دون العبث بتجربتنا الديمقراطية الناشئة؟. تقتضي الديمقراطية - في غياب الأحكام المقيدة - قبول جميع مطالب الترشح للرئاسية فينال الشرف من يستحقه ومن لا يستحقه. في قبول هذه المطالب سنجد المرشح أو المترشح الوطني والديمقراطي وذا الكفاءة والأهلية والوعي والخبرة… وسنجد أيضا عديم الكفاءة والأهلية وغير القادر على إدارة شؤون أسرته وحتى على رعاية نفسه. سنجد أيضا (ولو نظريا) المتخلفين عقليا ومخالفي القانون وحتى المجرمين والأخطر أن تضم القائمة من يملك استعدادا فطريا للدوس على الديمقراطية عبر الاستخفاف بالدستور ومنع التعددية الحزبية والفكرية وتقييد الحريات... هؤلاء لن تتصدى لهم هيئة الانتخابات ولن تمنعهم أي سلطة ما دامت الشروط العامة قد توفرت فيهم لكن هناك جهة قادرة على فرز الصالح من الطالح. هذه الجهة هي الفئة الناخبة المطالبة بحد أدنى من الوطنية والوعي والقدرة على الاستشراف حتى لا تكون السبب الرئيس في صناعة الدكتاتورية التي تعود عليها وعلى البلاد كلها بالوبال. يمكن للناخب أن يكون متحزبا لكن تحزبه لا يعني التصويت للمرشح المرتشي أو المجرم أو المستخف بالديمقراطية لمجرد قربه من حزب الناخب أو منافسته مرشحا يخاصم هذا الحزب. لن يحلم أي طرف مستقبلا بالوصول إلى الحكم عبر الانقلاب ولكن يمكن للدكتاتور أن يصل إلى الحكم عبر انتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة فيستغل المناخ الديمقراطي في إرساء النظام الدكتاتوري. في تونس يمكن صناعة الدكتاتورية في أي وقت، لكن لا يمكن لهذه الصناعة أن تنجح ما لم يضع الناخب حجر أساسها داخل مكاتب التصويت.