وصول عدد الترشحات إلى الانتخابات الرئاسية إلى ما يقارب المائة، وفي انتظار بتّ هيئة الانتخابات في مآلات هذه الترشحات هو من الوهلة الأولى عنوان لديمقراطية ناشئة.. ديمقراطية تضمن حق الترشح لكل مواطن تتوفر فيه الشروط المضبوطة قانونا ويأنس في نفسه القدرة على الاضطلاع بأعباء المنصب الأعلى في هرم السلطة. ومع ذلك فإن الأمر حين يبلغ حدّه ينقلب إلى ضدّه.. أي ان الحق في الترشح لا يعني أن يعمد كل من هبّ ودبّ لتقديم ترشحه.. ولا يعني أن يتقدم بعض الأشخاص بترشحات أقل ما يقال فيها أنها فلكلورية وتشي باهتزاز في الشخصية وضعف في البرنامج وسخافة في الأفكار و«الرؤى» المعبّر عنها.. لتصبح المسألة في نهاية المطاف من قبيل الاستخفاف بمكانة منصب رئيس الدولة.. ومن قبيل الاستهانة بهذا المنصب وتحقيره وضرب مصداقيته وحتى «قدسيته» بالرجوع إلى أهمية وإلى خطورة هذا المنصب.. وضرورة أن يكون المتقدم إليه والفائز به سياسيا يملك رصيدا من الاشعاع ومن الخبرة والدراية بشؤون الدولة يمكنه من حسن التسيير وحسن تمثيل تونس في المحافل الاقليمية والدولية.. علاوة على قدرته على تجميع التونسيين وعلى القفز فوق الألوان الحزبية ليصبح عنوانا للوطن وعنوانا لكل التونسيين والتونسيات بقطع النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية والحزبية. والطوفان الذي شهدته هيئة الانتخابات حين بلغ عدد المترشحين قرابة المائة مترشح لا يتوفر الكثير منها على الشروط القانونية يشي من جهة بنوع من الاستخفاف بهذا المنصب بشكل جعل بعض الأشخاص يتجرؤون عليه مع انهم لا يوفرون الشروط الدنيا ولا يحوزون على مواصفات الحد الأدنى لتقديم الترشح.. كما ان هذا الطوفان الذي شهد تنافس العديد من الشخصيات السياسية الوازنة على تقديم ترشحاتها مع علم الجميع بمحدودية صلاحيات رئيس الدولة وفق النظام السياسي المكرّس في الدستور يطرح العديد من التساؤلات.. لعلّ أبرزها تحوم حول السرّ الكامن وراء هذه الهبّة الكبرى لطلب منصب بصلاحيات محدودة. كما ان التساؤل يصبح مشروطا حول تعمّد البعض التعبير عن أفكار وبرامج تتجاوز بكثير صلاحيات الرئيس المضبوطة في الدستور. بما قد يخفي نيّة البعض على التوجه صوب إدخال التنقيحات اللازمة لتفعيل دور الرئيس.. أو بما قد يشي بنية مبيّتة لدى البعض على الاستئثار بالمناصب العليا الثلاثة في قرطاج والقصبة وباردو بما قد يعيدنا إلى مربّع التغوّل وشُبهة الاستئثار بالسلطة التي قصف بها النداء ورئيسه الراحل الباجي قائد السبسي اثر الفوز بانتخابات 2014. تساؤلات تبقى الأيام وحدها الكفيلة بتوفير عناصر أجوبة شافية عنها.