تحيي تونس اليوم العيد الوطني للمرأة والذكرى 63 لاصدار مجلة الاحوال الشخصية استحضارا لميلاد مشروع اصلاحي حضاري رائد في المنطقة العربية والاسلامية، حرّر المرأة من قيود ومكبلات، وبات في حاجة الى تدعيم المكتسبات وتطويرها. تونس-الشروق-: وبالعودة الى مايقارب التسعين سنة خلت، يؤكد المؤرخون فضل جيل المصلحين والمناضلين في تحرير المرأة التونسية، وتناغم الارادة السياسية مع نفس الاصلاح الذي حضر بقوة بين النخب التونسية ابان فترة الاستعمار، حيث تشبع جيل من المصلحين برسالة تحرير المرأة و قرونها برسالة تحرير الوطن على غرار المفكر الطاهر الحداد، الذي ركب الصعاب مطلع الثلاثينات وبادر بنشر مقالات تقدمية على الرغم من تألب المشائخ ضده وحرمانه من الحصول على شهادة الحقوق بتعلات رجعية رأت في اناراته تجاسر على الدين. وتناسل جيل المصلحين لم ينضب، حيث جابت المناضلة بشيرة بن مراد الشّوارع لتقود المظاهرات ضد المستعمر،وتكسّر كلّ القيود المجتمعية وكانت من بين عدد من النساء اللاتي أسسن أول جمعيّة تونسية للدّفاع عن المرأة التونسيّة المسلمة وحثّها على المطالبة بحقوقها. في ديسمبر 1936، هذه الشعلة المتقدة في صراع المشروع الاصلاحي ضد المحافظين، استخلص عبرته الزعيم الحبيب بورقيبة في المهد، وتجهز له وفقا للمؤرخين بقوة الخطابة الجماهيرية والمناورة حتى أنه كان يردد أنه لو ضيع فرصة استغلال شعبيته في تقديم مشروع اصلاحي عظيم لن يجود الزمن بفرصة اخرى. وفي مثل هذا اليوم منذ 63 سنة مضت،وبعد مضي 5 اشهر فحسب من استقلال البلاد تلقف الزعيم الحبيب بورقيبة الرسالة السياسية واقتنص فرصة التعاطف الشعبي الكبير معه للمجازفة بالخيار الاصلاحي، فبعد تكليفه للجنة صياغة شارك فيها العديد من كبار علماء وشيوخ تونس من جامع الزيتونة على راسهم الشيخ محمد الفاضل بن عاشور ووالده محمد الطاهر بن عاشور ومفتي الديار التونسية محمد عبد العزيز جعيط ،تم اصدار قانون تقدمي صدر بالرائد الرسمي ودخل حيز التنفيذ بداية منذ غرة جانفي 1957. ويقول وزير العدل في فترة اصدار مجلة الاحوال الشخصية أحمد المستيري انه لم يكن من الممكن اجتياز كل الصعوبات وتحقيق هذا المكسب لولا توفر الظروف السياسية الملائمة في الدّاخل والخارج, وإقدام المصلحين على إصلاح التشريع والنظام القضائي الذي مهد لهذه الثورة الحضارية التي اعتبرها استجابت لمقتضيات العصر ولحاجات المجتمع التونسي نفسه,ولرغبة الاجيال القادمة. واعتبر الحبيب بورقيبة في أحد خطاباته بأن تحرير المرأة كان مجازفة منه في تحرير كائن مكبل بجملة من القيود يعتقد البعض انها تنزيل الهي فكان لزاما الرفع من كرامتها التي وصفها بأنها تأبى ان تكون مجرد اداة متعة للرجل، فعلى الرغم من هشاشة الوضع الداخلي كانت للافكار التقدمية السابقة لعصرها في ذهن الزعيم الحبيب بورقيبة دورا في مواصلة البناء وتدعيم المكسب. فعلاوة على على الغاء اكراه الفتاة على الزواج وتحديد سن ادنى له ومأسسته عبر منع الزواج العرفي وتجريم المخالفين ،واقرار المساواة الكاملة بين الزوجين في كل مايتعلق باسباب الطلاق واثارته ،ومنع تعدد الزوجات، تدعم المكسب بمشاريع رائدة وفريدة في عصرها على غرار تعميم تعليم البنات كما الاولاد مطلع الستينات، وتعميم برامج محو الامية وتعميم مراكز صحة الام والطفل المجانية علاوة على دعم المنظمات النسوية التي ساهمت في هذا التمشي الاصلاحي القائم على مهمة التغلغل في اوساط الشعب ومتابعة اوضاع المرأة وعلى رأسها الاتحاد النسائي التونسي الذي قادته راضية الحداد قبل تكليفها من قبل الزعيم بورقيبة برئاسة الاتحاد القومي النسائي التونسي وصولا الى تكريس المساواة بين الرجل والمراة في دستور 1959. هذه المجلة العظيمة ارتقت بأوضاع المرأة من طور المساواة الى طور الشراكة واحداث عديد الآليات المساندة للمرأة من أهمّها وزارة شؤون المرأة والأسرة والطّفولة والمسنين ومركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة و لجنة ادماج المرأة في التخطيط الاستراتيجي للتنمية وتطوير النسيج الجمعيّاتي والمؤسّساتي لتشجيع المرأة على المساهمة الفاعلة في المجتمع المدني والحياة العامّة. واثر عقود من اصدار المجلة الرائدة استبسلت المرأة التونسية في تدعيم حقوقها المكتسبة والتنصيص عليها في دستور الجمهورية الثانية وفي القانون الانتخابي الذي نصّ على مبدإ التناصف العمودي والأفقي في القائمات الانتخابية والذي قاد الى اعتلاء العديد من النسوة منصة رئاسة البلديات في عدة ارجاء من الجمهورية وفي العديد من التشريعات الاخرى المتعلقة بالقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة . اليوم وبعد مرور 6 عقود عن هذا المكسب التقدمي الرائد،تبدو الحاجة ملحة لتدعيمه قياسا بحقوقها النظرية وما منح لها فعلا، فالواقع المعيش يكشف العديد من الهنات في باب الحقوق المكتسبة للمرأة بدءا من وضعيات العمل المهينة في الاوساط الريفية،مرورا بضعف مشاركتها في صنع القرار وصولا الى ضعف تمثيلتها السياسية سواء داخل التشكيلات السياسية نفسها او في الهيئات والحكومات والمناصب القيادية.