شرعنا منذ الأسبوع الماضي وكتفاعل مع اليوم الوطني للمرأة التونسية في طرح بعض الأفكار بشكل مختصر وسريع حيث تناولنا مسألة المرأة من ثلاث زوايا الأولى الإقرار بتغير واقع المرأة والثاني التركيز على فكرة ترابط اليوم النضال من أجل المرأة مع النضال من أجل قيم المواطنة. أما الزاوية الثالثة فسنحاول بشكل خاطف جدا الحديث عن التفاوت الحاصل في الحياة العاطفية والمعرفية والاجتماعية اليومية في حياة المرأة بين التشريعي والظواهر التي تعبر عن أزمات تعيشها المرأة التونسية اليوم. إن الفكرة بكل بساطة يلخصها توجه الأممالمتحدة التي حددت عام 2030 سقفا زمنيا لتحقيق المساواة بين الجنسين في كل أرجاء العالم. طبعا التاريخ المشار إليه يعتبر قريبا جدا حتى لكأنه الغد. ولا نعتقد أن منظمة الأممالمتحدة حددت تاريخا قريبا فقط تعبيرا عن حلم بقدر ما هو حقا تاريخ مدروس وواقعي بالنظر إلى ما في حوزة الأممالمتحدة من إمضاءات ما فتئت تتكاثر حول اتفاقيات المساواة بين الجنسين وعدم التمييز على أساس الجنس. لقد أصبح النضال المباشر في مسألة المرأة وحقوقها وكيفية تطوير وضعيتها الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية من أشكال النضال التقليدية والتي ربما ما عادت تتمتع بنفس الوظيفة والجاذبية. سنوضح فكرتنا هذه أكثر: اليوم يكفي النضال من أجل حقوق المواطنة بشكل فعال وثابت لأن حقوق المواطنة منظومة جامعة قائمة على فكرة الانصاف ومبدأ الانصاف على أسس الجنس والدين والعرق. وهذا في حد ذاته يغني الحركات النسائية عن المواصلة في اعتماد خطاب قد يكون تجاوزته اللحظة الزمنية الدولية، ناهيك أنه ربما لم يعد يخدم قضية المرأة بالنظر إلى ما حققته المرأة في العالم من نجاحات مضيئة. أي أن تخصيص قضية نضالية للمرأة اليوم يضعها في مصاف قضايا الأقليات والحال هي ليست كذلك. يبدو لي أن معالجة مسألة المرأة من المهم أن تخضع إلى معالجة جديدة من النخب وأن تعيد فهمها وإدراجها ضمن الاشتغال على فكر المواطنة مع التركيز على قيمة المساواة بين الجنسين. فالقضايا قد تبقى هي ذاتها مالم تحل وتنتفي أسباب تحولها إلى قضايا ولكن الأكيد أن أشكال التعبير عنها تتغير وهذا ما لم نفهمه جيدا: التحكم في الجهد وعدم إهداره يتطلب توحيد جهود النخب في قضية تعد اليوم أم القضايا: المواطنة. والمرأة القلب النابض للمواطنة. بمعنى آخر فإن تكثيف المعارك الثقافية الاجتماعية القيمية واختزالها يعني أن تدمج قضايا كثيرة في قضية المواطنة القائمة أساسا على مبدإ المساواة. أما الزاوية الثالثة التي أشرنا إليها فإنّها تتمثل في ظاهرة عن التّفاوت الحاصل في الحياة العاطفية والمعرفية والاجتماعية اليومية في حياة المرأة بين التشريعي والظواهر التي تعبّر عن أزمات تعيشها المرأة التونسية اليوم. ذلك أن المرأة التونسية التي نتبجح بمكاسبها القانونية وأنها تتمتع بمدونة تشريعية هي الأفضل عربيا، نرى أن هذا الخطاب بات يحتاج إلى كثير من التنسيب لأن مسار المكاسب مازال طويلا لذلك اعتبرنا مزج قضية المرأة ضمن قضية المواطنة سيفيد المرأة أكثر. كما أن واقع الممارسة الاجتماعية الذي تغلب عليه خاصية العنف المتعدد الأشكال والأبعاد والرسائل ضد المرأة يجعلنا نتساءل عن حقيقة تحسن وضع المرأة في تونس لأن التحسن يجب أن يلمس في الممارسات الاجتماعية والحياة اليومية. أدعوكم إلى تذكّر نسبة الطلاق وعدد المعنفات وهكذا سنفهم لماذا ظلت القوانين في جهة والحقيقة الاجتماعية للمرأة التونسية في جهة أخرى. نكتفي بهذا دون الحديث عن الهيمنة الذكورية في الحقل السياسي التونسي.