مع اقتراب المواعيد الانتخابية تواصل مختلف الأطراف السياسية حملاتها الانتخابية السابقة لأوانها وسط مخاوف من أن تؤدي الحسابات والمعارك السياسية الى ضرب مصالح الدولة والمواطن. تونس الشروق: مع بداية العد التنازلي للاستحقاقات الانتخابية القادمة التي ستشارك فيها عديد المكونات السياسية من السلطة ومن المعارضة، تطرح تساؤلات عديدة حول مدى تأثير هذه المشاركة على السير العادي لدواليب الدولة في الأشهر القادمة تزامنا مع فترة الانتخابات. فما عاشته البلاد في الآونة الاخيرة من تقلبات وارباك على مستوى سير المرفق العام وإسداء الخدمات العمومية وتعطيل مصالح الناس وتعطيل السير العادي لبعض دواليب الدولة دفع بكثيرين الى القول ان ذلك نتيجة ما يسود الساحة السياسية من معارك ومن رغبة لدى مختلف الخصوم السياسيين في القيام بحملات انتخابية سابقة لأوانها عبر تصفية حساباتهم وضرب بعضهم البعض لاستقطاب أكثر ما يمكن من ناخبين.. مخاوف تسود المخاوف من إمكانية أن يؤدي انشغال الطبقة السياسية بالتحضير للانتخابات وبالحملات الانتخابية السابقة لأوانها إلى التأثير سلبا على تسيير الإدارة والدولة وعلى الاعتناء بشؤون المواطن وبالمصلحة العامة خلال الأشهر المتبقية من العهدة النيابية الحالية فضلا عن المخاوف من امكانية استغلال إمكانيات الدولة في الحملات الانتخابية بما قد يؤثر سلبا على إسداء خدمات المرفق العام. فالائتلاف الحاكم الحالي المكون أساسا من النهضة ونداء تونس وتحيا تونس وكل المكونات الحالية للبرلمان تقريبا ستشارك في الانتخابات التشريعية ويمكن أن تنضاف إليها أسماء بعض المسؤولين في الإدارة الذين ترشحوا إما ضمن قائمات حزبية او بصفة مستقلة. كما أن الانتخابات الرئاسية شهدت مشاركة اسماء من السلطة والمعارضة، وينطبق الأمر نفسه على أحزاب المعارضة والتي انخرطت بدورها في هذه الحملات الانتخابية السابقة لاوانها بما يطرح مخاوف من امكانية تخليها في ما بقي من العهدة النيابية الحالية عن دورها الاساسي المتمثل في مراقبة السلطة وفي انتقاد ومعارضة خياراتها التي لا تتماشى مع المصلحة العامة وفي اقتراح الحلول والبدائل وفي الكشف عن التجاوزات.. تقلبات هذه المخاوف تأكدت في الآونة الاخيرة على غرار ما حصل أيام عيد الأضحى من انقطاعات مختلفة للماء والكهرباء وهو ما اعتبره مراقبون يدخل في هذا الإطار. كما أن ما يحصل اليوم من تعطيل للمشاريع التنموية المختلفة ولمصالح الناس في بعض الإدارات ومن تراجع في المؤشرات الاقتصادية المختلفة ومن تلاعب في السوق على مستوى الأسعار ووفرة المواد الأساسية اعتبره المراقبون أيضا نتيجة للمعارك السياسية ولتصفية الحسابات قبل حلول موعد الانتخابات. وهو ما ينطبق أيضا على الأحداث المختلفة التي تعيشها البلاد بين الحين والآخر على غرار حرائق الغابات والصابة وموجات الجرائم المختلفة وضعف الخدمات الصحية في المستشفيات وعدم الاعتناء بالبنية التحتية وتردي خدمات النقل وحوادث السكك الحديدية . وتنضاف الى ذلك الإشاعات التي تسري بين الحين والآخر وتتعلق أحيانا بملفات حساسة وخطيرة تؤدي عادة الى حالة من الارباك العام في البلاد وقد تؤثر على اقبال الناس على الانتخابات. السير الطبيعي للدولة يأمل المواطن في ان لا تتسبب الانتخابات في أي تأثير على مصالحه وعلى مصالح الدولة وان تواصل مختلف الأطراف – كل من موقعه – القيام بالدور المنوط بعهدتها على أحسن وجه بالتوازي مع الاستعداد للانتخابات. فالعاملون في الإدارة مهما كانت انتماءاتهم السياسية والحزبية يجب أن يواصلوا الاشتغال بشكل طبيعي في إسداء الخدمات للمواطنين وللفاعلين الاقتصاديين دون تعطيل ودون انشغال بالانتخابات ودون حسابات سياسية ضيقة. والهياكل العمومية المختلفة يجب ان تواصل التعامل مع الجميع بشفافية ونزاهة وديمقراطية وعلى قدم المساواة دون تعطيل او اضرار بالسياسيين الذين يتعارضون معهم سياسيا وفكريا وينوون الترشح. ورئيس الحكومة وأعضاؤها مطالبون أيضا بمواصلة العمل بالنسق نفسه خلال الفترة القادمة والى آخر يوم من العهدة الحالية حتى لا تتأثر الإدارة والسير العادي لدواليب الدولة بانشغالهم بالانتخابات القادمة. وهو ما ينطبق أيضا على مؤسسة رئاسة الجمهورية التي يجب ان يواصل القائمون عليها أيضا القيام بأدوارهم بشكل طبيعي وعادي الى آخر يوم من عهدة القائم بمهام رئيس الجمهورية دون ان يشغلهم الاهتمام بالانتخابات القادمة عن مهامهم. كما ينطبق ذلك أيضا على نواب البرلمان المطالبين بمواصلة عملهم بشكل عادي دون حسابات سياسية ذات علاقة بالانتخابات القادمة. سوابق تاريخيّة يستحضر المراقبون ما عاشته البلاد في انتخابات 2011 و 2014 حيث لم يحصل أي تعطيل او ارتباك على مستوى اسداء الخدمات العمومية والعناية بمشاغل المواطن وتنفيذ التزامات الدولة تجاه الداخل والخارج وذلك الى حين صدور نتائج الانتخابات وتسلم السلطات المنتخبة مقاليد الحكم. لكن ما يجب الانتباه اليه هو انه في سنتي 2011 و2014 لم تكن السلطة معنية كثيرا آنذاك بالانتخابات. فحكومة الباجي قائد السبسي في 2011 كانت مؤقتة وأطلقت عليها تسمية «حكومة انتخابات وتصريف أعمال» والتزم رئيسها وأعضاؤها بعدم الترشح للانتخابات شأنها شأن رئيس الجمهورية المؤقت آنذاك فؤاد المبزع. وفي 2014 ، قامت الحكومة القائمة (حكومة مهدي جمعة) بدورها وكانت مهمتها تنظيم الانتخابات وتصريف الأعمال خلال 10 أشهر والتزم رئيسها وأعضاؤها كذلك بعدم الترشح للانتخابات.. وبالتالي فان التجربتين السابقتين في الانتخابات تختلفان عن تجربة الانتخابات المنتظرة موفى 2019 خاصة على مستوى السلطة التنفيذية باعتبار ان رئيس وأعضاء الحكومة الحالية معنيون بالانتخابات وكذلك أعضاء البرلمان وايضا مؤسسة رئاسة الجمهورية. أبرز المخاوف من تأثير الانتخابات على السير العادي للدولة وعلى مصالح المواطن انشغال بعض مكونات السلطة التنفيذية والإدارة بالحملة الانتخابية على حساب التسيير العادي والطبيعي للدولة وخاصة خدمات المرفق العام وقضاء شؤون المواطن والمسائل الاقتصادية الحيوية. انشغال نواب البرلمان بالحملة الانتخابية على حساب العمل البرلماني الذي تحتاجه البلاد في ما بقي من العهدة البرلمانية الحالية. استغلال إمكانيات الدولة في بعض الحملات الانتخابية على حساب مصالح الدولة والمواطن. تخلي المعارضة عن دورها الطبيعي في مراقبة السلطة واقتراح الحلول والبدائل خلال الأشهر القادمة بسبب انشغالها بالانتخابات.