ولكن تلك العوامل المساعدة على انتشار الإسلام في إفريقية واجهتها عوامل أخرى مضادة، أهمّها العصبيّة البربرية خاصة في البتر منهم الذين وقفوا في وجه الفاتحين معتبرين إياهم غزاة. فكانوا يرتدّون إلى وثنيّتهم ا أوإلى مسيحيّتهم كلّما عاد الفاتحون من حيث أتوا. وقد قويت هذه العصبية عندما انتبه البربر إلى أنّ نيّة الفاتحين الأوائل، أوبالأحرى الغزاة العرب – حسب اعتقادهم – إنّما هي السلب والسبي . ثمّ ضعفت هذه العصبيّة أمام بعض الفاتحين بسبب حسن معاملتهم لهم، لكنّها قويت بانتهاج بعض الفاتحين والقواد سياسة الترهيب التي انتهجها عقبة متأثّرا بخالد بن الوليد، الشيء الذي عجّل بعزله . فلقد كان يسم أيدي جنده من البربر ويحتقرهم دون أن يستثني قوادهم . فكان أن نفروا منه، وتألّبوا عليه، وثاروا بقيادة كسيلة، فقتل وافتكّت القيروان . تلك الدوافع وهذه العراقيل قد تجابهت وتفاعلت بجلاء طيلة ق 1 ه، فانتهت بافريقيّة إلى الإسلام في العقد الثامن منه، إلاّ أنّها واصلت عملها في الخفاء وبرزت فيما بعد في عدّة مظاهر وأشكال ومناسبات، تعتمد العصبية أساسا وترمي إلى السياسة أوإلى المذهبية الدينيّة هدفا ممّا يدعوإلى القول بأنّ إفريقيّة لم يتمّ إسلامها إلاّ بعد القرون الأربعة الأولى .فالدولة الزيريّة، وهي متأخرة بالنسبة إلى الفتوحات وإلى الدولتين الأغلبية والفاطمية، قد قامت على العصبية البربريّة في قبيلة صنهاجة، مثلما قامت سابقتها على قبيلة كتامة، بل لعلّ ما يدعم فعل العصبيّة تلك الثورات البربرية والخارجية ( نسبة إلى الخوارج من الإباضية والصفرية) التي هزّت إفريقية هزّا طيلة ق 2 ه . منها فتنة « برغواطة « والمتنبّي « حاميم « في المغرب الدّالة على وجود رواسب وثنيّة مطعّمة بالتعاليم الإسلامية . فلحاميم قرآن فيه سور على عدد الأنبياء والحيوان، وفيه صلاة وزكاة وصوم . كما في غير هذين المثالين رواسب مسيحية ويهودية . أمّا الثورات الخارجية فكانت كثيرا ما تستغلّ العصبيات البربريّة التي لم تكن غاية المشاركين فيها من البربر إلاّ القضاء على السلطة العربية.منها ثورات ميسرة المدغري سنة 122 ه بطنجة وعكاشة الصفري سنة 124 ه بالزّاب وأبي يزيد مخلد بن كيداد الخارجي الملقّب بصاحب الحمار سنة 333 ه بالقيروان والمهدية .إلاّ أنّ أمراء إفريقية المهلّبيّين استطاعوا القضاء على تلك الثورات والانتفاضات المتكررة موطّدين بذلك أركان النفوذ العربي بالبلاد. ولم يكن إسلام افريقية مقتصرا على العمل العسكري والسياسي، بل اتّجه أيضا وجهة ثقافية أوتعليمية تمثّلت في التعريب الذي بدأ ببداية الفتوحات فيها وتواصل طيلة ق 1 – 2 هت، بفضل بعثة عمر بن عبد العزيز بالفقهاء العشرة لتعليم البربر قواعد دينهم الجديد، بعد تعليمهم مبادئ لغة القرىن . وعلى ذلك النحوتوازى الفت والتعريب مدعّما أحدهما الآخر في إطار التواصل الثقافي بين المغرب والمشرق.(*) (*) نشر بعنوان : إسلام إفريقية وتعريب البربر . – في : الهداية، جويلية 1985، ص 49 – 53 وفي : الموسوعة التونسية، ط 2005، 2 / 272 – 274، ط 2013، 2 / 397 – 400 بسقوط المراجع ! - Brunschvig : Ibn Abdel Hakam et la conquête de l'Afrique du nord par les Arabes. – in : A.I.E.O., 1942-47. - Candel M. : Les premières invasions arabes dans l'Afrique du nord, de 21 à 78 de l'Hégire. - Marçais G. : Sidi Uqba, Aboul-Mouhagir et Kusayla. - in : Les Cah. de Tun., 1953, P. 11-18. - Splight : Témoignage des sources musulmanes sur la présence chrétienne au Maghreb. - in : IBLA, 1972. - Marçais W. : Comment l'Afrique du nord a été arabisée. - in : A.I.E.O., Les villes, T.4, 1938 ; Les campagnes, T.14, 1956. فلاّقة منهم من استطاع الزعيم الحبيب بورقيبة توجيه عمليّاتهم نحوالمستعمر الفرنسي وخاصّة ضدّ المعمّرين في الأراضي التي أسندت إليهم من الأحباس ومن أملاك العروش المنتزعة منها، وكذلك ضدّ عملاء الاستعمار والوشاة بهم لديه . وفي جهة القيروان عرفوا بأولاد الليل، لا لأنّهم يغيرون في ظلامه بل لأنهم من أولاد أبي الليل من الكعوب الهلاليين . وأشهرهم في جلاص العجيمي بن مبروك، من أحفاد علي بن عمارة من جهة أمّه، فكأنّه ورث المقاومة عنه . ومنهم الطاهر الأسود اليزيدي الحامي والأزهر الشرايطي وعمارة سلوغة وعبد الوهاب السندي الهمامي وصالح بن عمر الحمدي العياري ومولود الهمامي والزاهي الفرشيشي والعجيمي بن مبروك وساسي الأسود البازمي . وكانوا قادة لمجموعات موزّعة على معاقل جبليّة في ثورة 18 جانفي 1952 من السرج إلى برقووكسرة إلى الشعانبي وسمامة والسلوم إلى بوالأحناش، وخاصة في منطقة أولاد عيّار التي مركزها مكثر . وتضاعفت عمليّاتهم بتضاعف عددهم في أوائل سنة 1954 م إذ بلغ عددهم بمكثر وكسرة فقط – على سبيل المثال – سبعين بإمرة عبد الوهاب السهيلي . وبتضحيّاتهم رضخت فرنسا للمفاوضات التي أفضت إلى الاستقلال الداخلي في غرّة جوان 1955 فإلى الاستقلال التّام في 20 مارس 1956 . ومن ذلك التاريخ أدمجهم بورقيبة في الجيش والحرس، ولكنّ بعضهم شعروا بالتهميش مذ اضطرّوا إلى تسليم السلاح استجابة لنداء الحزب فانخرطوا في محاولات اغتيال بورقيبة مساندة لخصمه الزعيم صالح بن يوسف ذي التوجّه الإسلامي القومي العروبي، فكانت نهايتهم بمحاكمات متسرّعة وأحكام قاسية. (يتبع)