لقد كان احتلال العراق و سقوط بغداد في أيدي الجيش الأمريكي في التاسع من أفريل من عام 2003، رحلة النهاية بالنسبة لنظام صدام حسين، غير ان محاكمة صدام التي تمت بعد اعتقاله، وتمت إذاعتها على شاشات التلفزيون، كانت نقطة بداية لشخصية. إذا لم يكن الإعدام سوى موت جسدي لزعيم عربي، ظل يتحدى أعداءه حتى لحظة إعدامه، ولم ينكسر لهم، حتى وهو يقف وحيدا بينهم على منصة الإعدام، في فجر ذلك اليوم الحزين، فجر الثلاثين من ديسمبر من عام 2006، حين كان المسلمون في جميع أنحاء العالم يستعدون لأداء صلاة عيد الإضحى المبارك. لقد حرمهم صدام من لحظة ضعف كانوا يبحثون عنها بشق الأنفس، حتى يقولوا هاهو الرجل الذي كان يخيفكم، كم هو ذليل وجبان. لقد صدمهم بقوة شخصيته و بشجاعته، وبثباته على المبدإ، حينما هتف بحياة الشعب و العراق وفلسطين و بحياة الأمة العربية. لقد كان صدام حسين لحظة إعدامه أكثر قوة، و أكثر جسارة على مجابهة الموت. لذلك لم يكن الموت هو ما يخشاه صدام، بعد أن واجه الموت مرات عديدة منذ أن خرج من بيتهم وهو في سن العاشرة،. يقول القاضي منير حداد الذي حضر إعدام صدام، إن الرجل كان متحديا حتى اللحظة الأخيرة من حياته، حيث سأله أحد الحضور هل أنت خائف؟ فأجاب: أنا لا أخشى أحدا، أنا طول عمري مجاهد ومناضل و أتوقع الموت في أي لحظة، وزاد يسقط الأمريكان و يسقط الفرس. و أكّد القاضي أن آخر كلمات صدام و التي لم تظهر في فيديو الإعدام الشهير، «كونوا موحّدين و أحذركم من الوثوق بالإيرانيين و المحتلّين». كان إعدام صدام حسين، في فجر عيد الإضحى المبارك، رسالة كبرى من المحتل الأمريكي و من أذنابه من عملاء المعارضة، مفادها أن كلّ من يفكر بتحدي العم سام ستكون نهايته بتلك الطريقة الفظيعة. لقد جلبوا لإعدامه حبل المشنفة من بريطانيا وكان المشرف على التنفيذ جنود الاحتلال، وكانت غرفة الإعدام ملأى بأذناب الفُرس كما كان يسميهم الشهيد. حتى طريقة دفنه شابها الكثير من الارتباك و الكثير من الخوف، وفرضوا على عشيرة البوناصر، في قرية العوجة من محافظة تكريت مسقط رأس صدام، أن تتم عملية الدفن ليلا و لا يحضرها إلا نفر قليل، و ألا تتجاوز مدة الدفن 25 ودقيقة، وهي ذات المدة التي استغرقتها عملية الإعدام. لقد كانوا يرهبونه في حياته فيكف لا يرهبونه في مماته، وهو قد ظهر بتلك الصورة، صورة الفارس العربي الذي لا يهتم بالموت إن لقيه في أي ركن وفي أي وقت. لقد رحل صدام حسين تاركا وراءه إرثا كبيرا و انقساما حادا في المواقف من شخصيته ومن طريقة حكمه، إلاّ أنّ الرجل قد رحل وهو ثابت في مواقفه وخاصة من المشاريع الاستعمارية التي تهدد أمن الأمة العربية. وقد ذكر صدام في رسالة موجهة إلى الشعب العراقي و العالم أن « مقاومة الغزاة حق وواجب، و مثلهم من سهّل لهم الأمر.» لكن صدام القائد، و الرجل الصلب الذي يلين و لا ينحني حين تعزّ على الآخرين مواقف الرجولة و الشهامة، كان إنسانا، وكان عاشقا لرفيقة دربه حتى في زنزانته، حيث يذكر أحد محاميه الذين زاروه في معتقله أنّ صدام كتب رسالة إلى زوجته،تتضمن كلاما لطيفا وحميميا، وحينما عبر ناقل الرسالة عن استغرابه أجابه صدام» يظل قلب صدام حسين أخضر، لأن صدام مناضل قبل كل شيء، و المناضل لا يتسرّب إليه الجفاف. ربما يجف قلب الرجل العادي في آخر العمر، بعد سن التقاعد، و لكن تظل نفس المناضل مشبعة بالحياة، حتى النفس الأخير.» لقد رحل صدام ولكن كلماته ستبقى خالدة في الأذهان، لا تأسفنّ على غدر الزمان لطالما ** رقصت على جثث الأسود كلابُ لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها ** فالأُسْد أُسْد و الكلاب كلاب تبقى الأسود مُخيفة في أسرها ** حتى و إن نبحت عليها كلاب